حقق سائق فريق ريد بُل ماكس فيرشتابن فوزاً بسباقٍ مثير جداً في جائزة النمسا الكبرى، تاسع جولات موسم 2019 من بطولة العالم للفورمولا 1. هذا الفوز أثبت عدة أمورٍ، من ضمنها تأكيد أهمية فيرشتابن دوره في نقل شعبية الفورمولا 1 إلى مستوى آخر.
منذ وصوله إلى الفورمولا 1 في 2015، بعد موسمٍ وحيد في بطولة الفورمولا 3 الأوروبية، لم تكن هناك أية شكوك بخصوص موهبة فيرشتابن وسرعته وإمكانية تحقيقه لنتائج مذهلة، وكانت هناك عدة سباقاتٍ منذ ذلك الحين أثبت فيها الهولندي الشاب جدارته.
بالتأكيد، هناك سائقين آخرين يتمتعون بمستوى أداء قوي جداً في الفورمولا 1، وهم يعدون بمستقبل مذهل للبطولة مثل شارل لوكلير، لاندو نوريس، جورج راسل والعديد من السائقين.
ولكن بالنسبة لـ فيرشتابن، فإنه يتفوق عليهم في جانبٍ وحيد، ولربما يتفوق على معظم السائقين على شبكة الانطلاق، حتى أولئك الذين يفوقونه خبرةً وإنجازات.
هناك ظاهرة مميزة لدى عدد من السائقين، تمثلت بأفضل طريقة مع مايكل شوماخر أثناء فترة نجاحاته الاستثنائية منذ منتصف تسعينيات القرن الماضي ولحين رحيله عن الفورمولا 1 للمرة الأولى نهاية 2006، تمثلت بالمتابعة الجماهيرية والمشجعين المذهلة وزيادته لشعبية الفورمولا 1 بشكلٍ ملحوظ ليس بسبب نتائجه فحسب، وإنما بسبب شخصيته وأسلوب قيادته.
لذلك، ورغم اعتزال مايكل شوماخر ووجود سائقين ألمان آخرين تمكنوا من الفوز باللقب من سيباستيان فيتيل بين أعوام 2010 و2013، ومن ثم نيكو روزبرغ في 2016، لم يتمكن هذين السائقين من ترك الأثر ذاته لدى المشجعين كما حصل مع ‘البارون الأحمر’.
ونحن نرى تكراراً لهذه الحالة مع ماكس فيرشتابن في هذه الحقبة الحالية، مع عشاقه ‘الجيش البرتقالي’ الذين يتميزون في كافة الحلبات بتواجدهم في المدرجات، خصوصاً على مدار الجولات الأوروبية.
كان بإمكان الجميع ملاحظة ردة فعل الجماهير ‘البرتقالية’ في حلبة ريد بُل رينغ عندما تمكن فيرشتابن من تجاوز منافسه في فيراري لوكلير ليخطف المركز الأول ويفوز بسباق جائزة النمسا الكبرى، كانت أصواتهم أعلى من أصوات محركات السيارات. وفي هولندا، حيث يتم عرض السباقات في ملعبٍ ضخم، كان هناك جمهور من حوالي 10 آلاف شخص يهتفون لـ فيرشتابن بأعلى صوت ممكن عندما تقدم إلى الصدارة.
الأثر الهائل لـ فيرشتابن على الفورمولا 1 في الوقت الحالي دفع إدارة البطولة إلى ضمان إعادة جائزة هولندا الكبرى إلى الروزنامة من خلال حلبة زاندفورت بدءاً من الموسم المقبل، ولا يمكننا سوى تخيّل طبيعة الأجواء مع المشجعين الذين يحتفلون ببطلهم أمامهم.
الفورمولا 1 بحاجةٍ لسائقٍ مثل فيرشتابن، يمكنه التمتع بشعبيةٍ مذهلة ويمكنه التأثير في الفورمولا 1 والتأثير بالجماهير. إذ أن سمة ‘البطل’ لربما غابت، بهذا الأسلوب، منذ عدة أعوامٍ ولكن فيرشتابن، ورغم عدم فوزه باللقب حتى الآن، إلا أن لديه شعبية ويتمتع بسمة البطل التي تضمن زيادة شعبيته، وزيادة شعبية الفورمولا 1 بأكملها، نتيجةً لذلك.
بالتأكيد، نجاحات سائق فريق مرسيدس لويس هاميلتون على مدار الأعوام القليلة الماضية ساهمت بزيادة شعبيته بشكلٍ ملحوظ، كما أنها ساهمت بتواجد حشود جماهيرية ضخمة في حلبة سيلفرستون لتشجيعه في جولة بلاده.
ورغم أهمية تأثير هاميلتون في الفورمولا 1، وشعبيته وتمثيله لها في كافة الأحداث، إلا أن البريطاني، الذي يرتقي بإنجازاته التي حققها وتلك التي يقترب من تحقيقها بأن يصبح أحد السائقين الذين يمكن المناقشة بإمكانية كونهم الأفضل في تاريخ البطولة، لا يتمتع رغم كافة هذه الإنجازات بذلك ‘العشق الجنوني’ الذي يتمتع به فيرشتابن مع جيشه البرتقالي.
منذ دخوله عالم الفورمولا 1 في 2015، لم تكن هناك فرصة متاحة لـ فيرشتابن للمنافسة على اللقب العالمي. لكن لا يمكننا سوى أن نتخيل ازدياد الاهتمام العالي بالفورمولا 1 في حال كانت لدى فيرشتابن سيارة يمكنها المنافسة على اللقب.
في الوقت الحالي، لا يمكننا سوى انتظار جائزة هولندا الكبرى. وفي حين أن فيرشتابن منح فريقه ريد بُل فوزين في جولة بلاده في النمسا في عامي 2018 و2019، ربما سيتمكن الهولندي من الفوز بسباق بلاده في حلبة زاندفورت السنة المقبلة، وسنشهد أجواءً احتفالية هائلة مشابهة لفوز مايكل شوماخر بسباق بلاده في ألمانيا في 1995، أو فوز أيرتون سينا بين جماهيره في البرازيل في 1991.
فيرشتابن يعتبر ظاهرةً ‘منعشةً’ في الفورمولا 1، ولا بد للجميع، سواءً كانوا من مشجعيه أم لا، احتضان تلك الظاهرة والاحتفال بها، نظراً لأن تواجد فيرشتابن في البطولة يصب في مصلحتها بالتأكيد، كما يمكن الاعتماد على فيرشتابن على الدوام لتقديم سباقات مذهلة وإمتاع كافة عشاق الفئة الملكة من عالم رياضة المحركات بتجاوزاتٍ جريئة وسباقاتٍ رائعة.