مع عودته للأضواء بعد إصدار سيرته الذاتية، تحدث الرئيس السابق للاتحاد الدولي للسيارات “فيا” البريطاني ماكس موزلي بصراحة إلى مجلة “أف وَن رايسينغ” الشقيقة لموقع أوتوسبورت عن الصُدف الغريبة التي أدت إلى دخوله عالم رياضة السيارات وذكريات تتعلق بمُشاركاته في الرياضة كسائق ومالك فريق ولاحقًا كرئيس للاتحاد الدولي، كما يُلقي موزلي الضوء على جانب آخر من اهتماماته ألا وهو المُتعلق بالسلامة العامة سواءً في الرياضة أو للسائقين والناس العاديين على الطرقات العامة.
المُؤلف ماكس موزلي، لقب آخر يُمكننا إضافته إلى سلسلة الألقاب والمعلومات التي نعرفها حقاً عنه فهو ابن السير أوزوالد موزلي وديانا ميتفورد؛ مُحامي؛ وسائق سباقات؛ ومالك لفريق فورمولا واحد؛ والمُحرك الأساسي للفورمولا واحد؛ وشريك مُقرب من بيرني إكليستون؛ والرئيس السابق الاتحاد الدولي للسيارات “فيا”؛ والقوة المُحركة خلف برنامج تقييم السيارات الجديدة الأوروبي (يورو أنكاب) الذي أنقذ حياة الكثيرين؛ والمُنتقد بقسوة للصحف السخيفة وأساليبها معدومة الضمير.
وغني عن القول إن السيرة الذاتية لموزلي تُقنعنا بقرائتها، ولكن اتخاذ القرار بالمُضي قُدمًا هو أمر؛ بينما تُعتبر الكتابة أمر آخر تمامًا، حتى بالنسبة لشخصٍ ذكيٍّ وفصيح كموسلي.
وقال موزلي: “إنه عملٌ مُجهد فعلًا”، وأضاف: “الطريقة التي يُنتج فيها الأشخاص سلسلة كاملة من الكتب تفوق طاقتي تمامًا، لربما لم أفكر إطلاقًا في القيام بهذا لو كنت أعرف كم العمل الذي علي إنجازه لهذا، ولكني سعيدٌ جدًّا لأني تمكنت من فعل ذلك”.
“في الحقيقة لا أحد ممن اهتموا بإدارة [شؤون] رياضة السيارات في الماضي قاموا بالكتابة عن هذا الموضوع من وجهة نظرهم. وفي الحقيقة ينطبق هذا الأمر أيضًا على الرياضة بشكلٍ عام: فعلى سبيل المثال لم يقم أحد من الأشخاص الذين يعملون في الألعاب الأولمبية أو الاتحدا الدولي لكرة القدم “فيفا” بكتابة آرائهم”.
“ومن المُمتع مُشاهدة أية رياضة من وجهة نظر الشخص الذي حاول ووضع قواعدها”.
استند دور موزلي في وضع القواعد على الخبرة التي اكتسبها كمُنافس، وكمُشارك، وكمُدير ومبدئيًا تحوله إلى رياضة السيارات بفضل التذاكر المجانية التي حصل عليها لحضور أحد الاجتماعات الخاصة بالسباقات في حلبة سيلفرستون.
“كنت فضوليًا نوعًا ما، ولكن، ربما ما كنت لأتوجه إطلاقًا إلى سباقات السيارات لو لم أحصل على تلك التذاكر”.
“كنت أقف خارج منعطف وودكات على حلبة سيلفرستون بتصميمها القديم وفي دقيقة شاهدت سباق فورمولا جونيور للسائقين الناشئين قادمًا باتجاه منعطف وودكات لعبوره، حيث مَرَّ السائقون أسفل ما كان جسر دايلي إكسبريس القديم باتجاه مُنعطف وودكات، وببساطة فكرت: ‘يا إلهي ما أروعها!'”
“لقد كانت السرعة. لطالما أثارت إعجابي؛ لغاية الآن. إنها سرعة مرتفعة تقريبًا، ولهذا لا أتفق مع إكليستون بموضوع صوت المُحركات المُرتفع. وأعتقد بأنك ستراها سريعة لو كنت هناك، ولن تراها سريعة إذا لم تكن هناك، وفي الحقيقة الصوت المُرتفع لا يحدث ذلك التأثير الكبير عندما تُشاهد [السباق] على شاشة التلفزة”.
وشعر موزلي بالإعجاب بما شاهده ذلك اليوم، إذ كان موزلي مُصممًا على أن يكون جزءًا من هذا. بدأ بسباقات النوادي ثم انتقل للفورمولا 2 والمُنافسة على الحلبات الكلاسيكية في أوروبا بمواجهة أسماءٍ كبيرة.
وأدى هذا إلى حظة التَّجَلِيّْ والإدراك على حلبة زولدر البلجيكية عندما تمكن السائق النمساوي يوخن ريندت من تجاوزه بعد تأخر بطل الفورمولا 2 في الانطلاقة.
ويستذكر موزلي تلك الأيام بالقول: “لم أحقق إنجازات كبيرة جدًّا قبل انتقالي للفورمولا 2 لأن خوض موسم في سباقات النوادي قد يعني خوض 15 ساعة من القيادة التنافسية”
“عندما كنت ذاهبًا لخوض سباقي الأول في الفورمولا 2 عام 1968، لم أكن جاهزًا فعلًا للتنافس في ذلك المُستوى، وفي هذه الايام لن يُسمح لك بفعل هذا”.
“وخلال السباق في زولدر، حصل حادث أجبر ريندت على البدء من المُؤخرة. وتقدم ليتجاوزني وليعبر خلال المُنعطفين باتجاه اليمين السريعين آنذاك”.
“جاء من الجهة الخارجية وكان بإمكاني رُؤية يديه مُمسكتان بالمقود وهوه يُحركه، يفعل ما يبدو طبيعيًا بالنسبة له. كان في مكانٍ آخر”.
“هنا بدأت أشك بأني لا أتمتع بالموهبة للوصول إلى القِمة. وكنت كبيرًا بما يكفي لأفهم ماهية السباقات وأنا سعيدٌ جدًّا لأني فعلت هذا، ولم يكن هنالك جدوى من الاستمرار. كان الأمر خطيرًا من جميع النواحي سواء كنت في المركز العاشر أو الأول”.
خاض موزلي عام 1969 مُخاطرةً من نوعٍ آخر عندما قام برفقة 3 أشخاص آخرين بتأسيس شركة مارش المُتخصصة في سباقات السيارات مع خطط طموحة للغاية.
ولم تكن عملية صنع سيارات فورمولا واحد والمُشاركة بها وبيعها كافيةً، لذا أعلنت مارش عن خططها لتصنيع سيارات جاهزة للتسابق لسباقات فورمولا 2، وفورمولا 3 والسيارات الرياضة “كان – آم”.
وحققت الشركة انطلاقة استثنائية، إذ احتلت سيارتا مارش – فورد الصف الأول على شبكة انطلاق أول سباق جائزة كبرى لموسم 1970 في جنوب أفريقيا، وحققت سيارة مارش من طراز 701 التي استخدمها فريق كين تايريل وبقيادة البريطاني جاكي ستيوارت الفوز في سباق إسبانيا.
ولكن وخلف هذه الصورة الجميلة كان موزلي يُكافح للحفاظ على استمرارية العمل.
ويتذكر موزلي هذا بالقول: “البدء بشركة مارش الهندسية بهذه الطريقة التي بدأنا بها لم يكن عملًا صائبًا”.
“أطلقنا شركة تحتاج لرأسمال مُرتفع لكنها كانت تعمل دون مال تقريبًا. هذا هو النوع من الأمور التي تقوم بها في العشرينات، ولكنك لن تقوم بها لو كنت تتمتع ببعض المنطق”.
“اقتربنا من الإخفاق عدة مرات وعلي القول، كما أشرت في الكتاب، إننا قد لا نتمكن من إنهاء الموسم لو لم يُخبرنا البريطاني والتر هايس [من شركة فورد للسيارات] بجمع سعر الهيكل الأنبوبي لطراز 701 الذي يترواح بين 6.000 إلى 9.000 جُنيه إسترليني”.
أدى انغماس موزلي في الفورمولا واحد إلى تواصله مع إكليستون، الذي كان يملك فريق برابهام آنذاك والذي بدأ باكتشاف الإمكانيات المالية الهائلة والكامنة للفورمولا واحد.
ولطالما عارض الفرنسي جان – ماري بالستيري الذي كان رئيسًا للهيئة الحاكمة للرياضة وبشدة صعود جمعية مُصنعي سيارات الفورمولا واحد (فوكا). وتخلى موزلي عن حصته في شركة مارش، واستمتع بالمُواجهة.
أصبح الموضوع لعبة خداع، وبلغت الامور ذروتها عندما أقامت جمعية مُصنعي سيارات الفورمولا واحد (فوكا) في بداية 1981 سباق جائزة كبرى في جنوب أفريقيا لا ينضوي تحت لواء البُطولة. ومن جميع النواحي، كان هذا السباق الذي بُثَّ على شاشات التلفزة ناجحًا. وفي الواقع كانت الفرق التي تُشكل جمعية مُصنعي سيارات الفورمولا واحد (فوكا) على وشك الانهيار.
وقال موزلي: “كان ذلك سيئًا فعلًا”، وأضاف: “لو انتظر بالستيري لثلاثة أسابيع أخرى، وكان بإمكانه ذلك؛ لكان قادرًا على فرض شروطه”.
“كُنَّا على وشك الاستسلام غير المشروط ولكن كنا محظوظين لأننا أقمنا سباق جنوب أفريقيا وبيرني – بصفته الوحيد القادر على فعل ذلك – كان لديه الإطارات التي يُمكننا استخدامها”.
“وضربة الحظ الأخرى كانت في سباق لونغ بيش التالي، ولكونه سيُقام في الولايات المُتحدة الاميركية الأمر الذي أجبر رينو [التي لم تكن عضوًا في جمعية مُصنعي سيارات الفورمولا واحد (فوكا) وداعمة لبالستيري] على القول إن عليهم التسابق هناك. وهكذا كان الأمر، تَقَوَّض مَوقِف باليستيري”.
“وبالنظر للخلف، كان الامر مُسليًا ومُمتعًا، ولكن في ذلك الوقت، كان مُرعبًا لأننا لم نكن نعرف إطلاقًا بأننا سنفوز وكان هنالك عدد كبير من الوظائف على المحك”.
تغير موقف الاتحاد الدولي للسيارات عندما استلم ماكس موزلي رئاسته عام 1991. وعندما عكس واقع تلك الحقبة، وإحدى أكثر الفترات إرهاقًا هي تبعات الحوادث الأليمة في سباق جائزة سان مارينو الكبرى عام 1994.
يقول موزلي: “التعامل مع الإخفاق الذي أدى لوفاة النمساوي رولاند راتزينبيرغر والبرازيلي آيرتون سينا كان صعباً”، وأضاف: “ولكنه تحول إلى شيءٍ إيجابي جدًّا في تحسين عوامل السلامة”.
“سباق جائزة الولايات المُتحدة الكُبرى عام 2005 في إنديانابوليس [حيث أدت المشاكل التي واجهتها إطارات ميشلان وانسحاب الفرق التي تستخدم الإطارات الفرنسية إلى مُشاركة 6 سيارات فقط تستخدم إطارات بريدجستون في السباق] كانت صعبة، وبالنظر للماضي، كان من الواضح تمامًا ما يجب القيام به، وفي ذلك الوقت، كان الجميع يتصل بي للقول ‘عليك أن تضع مُنعطفًا؛ عليك القيام بهذا؛ عليك القيام بذلك؛ إنها كارثة'”.
“وما قُمتُ به [برفض تغيير حالة المسار أو ظروف السباق] كان صائبًا تمامًا”.
حادثة إنديابوليس 2005 كانت واحدة من الحالات التي تَدْحَضْ الفكرة القائلة إن موزلي وإكليستون على وفاقٍ تام كما هو سائد بين الجماهير”.
يقول موزلي: “بالتأكيد لا”، وأضاف: “في أيام جمعية مُصنعي سيارات الفورمولا واحد (فوكا)، كان لدينا منهج جيد، وبعد النقاش، كنا نتفق عادةً على ما سنقوم به”.
“عندما أصبحت رئيسًا فهم بيرني تمامًا بأن مصالح الاتحاد الدولي للسيارات (فيا) قد لا تتفق في بعض الأحيان مع مصالحه، وكان هنالك صراعات ولكن كان ظهورها للعلن نادرٌ جدًّا – على الرغم من أنها مذكورة الآن في الكتاب”.
وفضلًا عن بذله جهوده في الكتابة، استمر موزلي لفترة وجيزة في مُراقبة خليفته في رئاسة الاتحاد الفرنسي جان تود، والانتقادات المُرافقة له.
وقال موزلي: “أدرك أن هنالك مزاعم حول أن تود لا يقوم بالكثير من أجل الفورمولا واحد”.
“ولنكون عادلين، أتذكر بأني قُلتُ له قبل انتخابه – وهو وافق على ذلك – إن رياضة السيارات هامة، وعلى وجه التحديد من وجهة نظر السلامة، ولكن يُمكنك عمل جميع ما توده في الفورمولا واحد والراليات وما إلى ذلك، ورُبما تتمكن من إنقاذ حياة واحدة كل عام”.
“هنالك 3.000 شخص على مُستوى العالم يموتون على الطرقات يوميًا، وأكثر من أي شخصٍ آخر رئيس الاتحاد الدولي للسيارات في أفضل موقعٍ للقيام بشيءٍ ما حول ذلك”.
“وإذا تمكنت من تحقيق فارق حتى لو كان بنسبة واحد بالألف، أي إنقاذ حياة 3 أشخاص يوميًا – وليس شخص واحد سنويًا – ينبغي أن يكون ذلك أقل ما يُمكنك القيام به”.
“الأمر المُهم فعلًا بالنسبة للاتحاد الدولي للسيارات هو السلامة على الطرقات، لأنها المُسبب الأكبر في وفاة الأشخاص بين عُمر 15 إلى 24 عامًا. وجان تولى هذه المهمة”.
“لقد كرَسَّ طاقته لهذا ورُبما يُفكر ‘دعوا الفورمولا واحد تتعامل مع هذا، يجبأن يكونوا قادرين على إدارة الأمور من دون تدخلي”.