يبدأ سيباستيان فيتيل موسمه الخامس مع فريق فيراري سعياً لتحقيق لقبٍ عالمي طال انتظاره في بطولة العالم للفورمولا 1، بأسلوبٍ مشابه لما حصل مع فرناندو ألونسو في السابق. لكن، مرةً أخرى، لا يواجه سائقو فيراري سوى الإحباطات التي بدأت تنال من ثقة فيتيل ودوافعه كما حصل مع نظيره الإسباني.
عندما انضم فيتيل إلى فيراري في 2015، كان الفريق يبدأ مرحلة إعادة بناءٍ، وكان الألماني يدرك أن عليه الانتظار بعض الوقت قبل تحقيق نجاحات والبدء بالمنافسة على الألقاب، ولكنه اعتبر ذلك تحدياً مثيراً سيجعل الفوز باللقب أجمل ويمنحه سعادةً أكبر، وكان مستعداً لمواجهة هذه التحديات والتغلب عليها.
هذا السيناريو يعتبر مشابهاً بشكلٍ كبير لما حصل مع فرناندو ألونسو الذي انضم إلى فيراري في 2010 عقب موسمٍ كان من الأسوأ لعدة أعوامٍ بالنسبة للفريق الإيطالي، وكان ألونسو يدرك أنه، وإلى جانب تقديم أفضل ما لديه أثناء السباقات، سيكون بحاجةٍ للانتظار وبذل مجهود خارج الحلبة لإعادة بناء فيراري.
هناك العديد من الاختلافات، بالتأكيد، بين فترة ألونسو ضمن صفوف فيراري بين 2010 و2014، وفترة فيتيل الحالية التي بدأت منذ 2015 حتى الآن. اختلافات على صعيد إدارة الفريق، التوجه التقني، التوجه السياسي والانسجام.
إذ لا يمكن لأحد أن ينكر بأن فترة ألونسو شهدت العديد من الاضطرابات ووجود مشاكل داخلية بين مختلف أقسام فيراري، وهو أمرٌ لم يحصل، بنفس الدرجة على الأقل، منذ انضمام فيتيل إلى الفريق.
لكن من جهةٍ أخرى، علينا ألا ننكر بأن فترة تواجد ألونسو شهدت تمتع فيراري بمستوى تنافسية أفضل. حسناً، ربما هناك عوامل عديدة لعبت دوراً في ذلك، مثل وجود عدة فرق منافسة في الصدارة وعدم انحسار المنافسة بين فيراري ومرسيدس فقط، ما أدى إلى تواجد ألونسو ضمن دائرة المنافسة لفترةٍ أطول وبقوة أكبر رغم عدم حصوله على ثاني أفضل سيارة من فيراري، بخلاف ما يحصل مع فيتيل.
إذ أن سيارة فيراري تعتبر ثاني أفضل سيارة، متأخرةً عن مرسيدس فقط ولكن المنافسة محددة بين هذين الفريقين فقط، وبالتالي فإن هفوات أحدهما ستمنح الآخر أفضليةً.
بغض النظر عن كافة تلك العوامل، وبغض النظر عن الاختلاف الكبير بين شخصيتَي ألونسو وفيتيل، إلا أن هناك عاملاً أساسياً يجمعهما: كلاهما سائقان ناجحانً، سائقان سبق لهما الفوز بالألقاب، وبالتالي لا شيء سيجعلهما يشعران بالرضى أكثر من الفوز بالألقاب مجدداً.
هذا الأمر أدى إلى رحيل ألونسو عن صفوف فيراري مع نهاية 2014، رغم امتلاكه لعقدٍ للقيادة لمصلحة الحصان الجامح لعامٍ إضافي، ليبحث عن تحدياتٍ أخرى، لم تثمر في نهاية المطاف، بعد انضمامه إلى ماكلارين.
إذ أن هذا السعي المستمر للفوز بالألقاب مع فيراري، وبذل مجهود كبير طوال الفترة الشتوية ومن ثم بدء الموسم وعدم التمتع بمستوى كافي للفوز بالألقاب، وتأكيد فيراري بأن ‘الموسم التالي سيكون المنتظر’ أصبح منهكاً بعد خمسة أعوامٍ، وهذا الأمر أدى إلى رحيل ألونسو عن صفوف الفريق ليواجه تحدياتٍ جديدة ويخرج من أجواء فيراري.
علينا ألا ننسى بأن ألونسو فاز بـ 11 سباقاً على مدار خمسة أعوامٍ مع فيراري، وكان قريباً بشكلٍ مؤلم من الفوز باللقب العالمي في 2010 و2012 ليخسر في الجولة الأخيرة لمصلحة فيتيل الذي كان في ذروة نجاحاته مع فريق ريد بُل في ذلك الحين.
أما بالنسبة لـ فيتيل، فإنه فاز بـ 13 سباقاً خلال أربعة أعوامٍ مع فيراري، ولم يفز بأي سباقٍ حتى الآن بعد أربع جولاتٍ في موسم 2019، ولكن نظراً لأن المنافسة على الألقاب كانت فقط بينه وبين منافسه في مرسيدس لويس هاميلتون، فإن تفوق الأخير أدى إلى عدم قدرة فيتيل على الاستمرار بالمنافسة على اللقب في آخر جولتين في العامين الماضيين عندما حسم هاميلتون اللقب لمصلحته في جولة المكسيك.
منذ انضمام فيتيل إلى فيراري، كانت تصريحاته تؤكد بأن الفريق في عملية إعادة بناء، وإعادة هيكلة شاملة، لضمان العودة إلى الصدارة وفرض السيطرة بشكلٍ كاملٍ في الفورمولا 1. عاماً تلو الآخر، وبعد نهاية العام الماضي الذي شهد ارتكاب فيتيل لعدة هفواتٍ قيادية، بالترافق مع هفوات فيراري واتباع مسار تطويري لم يكن الأفضل مع السيارة، اتجهت كافة الأنظار إلى موسم 2019 مع التعامل معه على أنه ‘بالتأكيد’ الموسم الذي سيشهد عودة فيراري إلى الصدارة بقوة والفوز بالألقاب وإنهاء سيطرة مرسيدس.
لكن مرةً أخرى يستمر تفوق مرسيدس بينما يواجه فريق فيراري العديد من المشاكل مع سيارة ‘أس أف 90’ في الموسم الحالي مع عدم قدرة التعامل مع الإطارات بأفضل طريقة ممكنة وعدم القدرة على إيجاد معايير الضبط المثالية، إذ أن فيتيل يصرح جولةً تلو الأخرى بأنه لا يثق باستجابة سيارته حتى الآن، وأن عدم تمتعه بهذه الثقة يؤدي إلى عدم قدرته على تقديم أفضل ما لديه أثناء القيادة.
في الوقت ذاته، لا بد لنا أن نشير إلى أن ألونسو كان متفوقاً بشكلٍ مريح على زميله في عامه الأخير مع فيراري كيمي رايكونن. أما بالنسبة لـ فيتيل، وإلى جانب كافة تحدياته الممثلة بإيجاد حلول لمشاكله مع سيارة فيراري لموسم 2019، فإنه يواجه تحدياً لا يستهان به ممثلاً بالمونيغاسكي اليافع شارل لوكلير الذي ينضم إلى فيراري وعينه على تحقيق نجاحات وإثبات قدراته وهو متعطش للفوز.
بالتالي، هل يكون قد طفح الكيل بالنسبة لـ فيتيل؟ هل ضاق ذرعاً بهذه الوعود المستمرة والطموحات الدائمة بتحقيق نجاحات قبل اصطدام هذه الطموحات بواقع خيبات الأمل المستمرة من فيراري؟ هذا أمرٌ وارد بشكلٍ كبير في الوقت الحالي بالتأكيد. إذ أن سائقاً باحترافية فيتيل ومع هذه الإنجازات لن يكون سعيداً بأنه يكمل موسماً خامساً مع فيراري ضمن عملية ‘إعادة البناء’.
ربما لن يكون تعامل فيتيل مع خيبات الأمل مماثلاً لأسلوب ألونسو، وليس بالضرورة أن يرحل فيتيل عن فيراري مع نهاية الموسم الحالي رغم امتلاكه لعقدٍ لموسم 2020. لكن بالتأكيد، سيجد فيتيل صعوبةً في إيجاد الدوافع والحوافز لتقديم أفضل ما لديه في حال عدم إيجاد فيراري لحلول جذرية لمشاكل موسم 2019 بأسرع وقت ممكن.