قدمت لنا بطولة العالم للفورمولا 1 سباقاً ملحمياً في جائزة البرازيل الكبرى، الجولة قبل الختامية لموسم 2019، انتهى بفوز سائق ريد بُل ماكس فيرشتابن في سباقٍ شهد كل ما نعشقه في الفئة الملكة من رياضة المحركات.
كيف بإمكاننا الحديث عن سباق جائزة البرازيل الكبرى؟ حلبة إنترلاغوس الكلاسيكية قدمت لنا سباقاً مذهلاً في كافة المجالات. التقارب الكبير في مستوى الأداء بين سائق فريق ريد بُل ماكس فيرشتابن ومنافسه في مرسيدس لويس هاميلتون قدم لنا معركةً رائعةً لفةً تلو الأخرى، بالترافق مع لعب الاستراتيجيات لدورٍ حاسمٍ مع تنوّعها وتأثيرها في نتيجة السباق.
كما أننا رأينا، جميعاً، الدراما بين مختلف الفرق. دراما ضمن صفوف ثنائي فيراري مع احتكاكهما ببعضهما البعض وانسحابهما من السباق، دراما بين هاميلتون وزميل فيرشتابن في الفريق أليكساندر ألبون، دراما مع تألق سائق فريق تورو روسو بيار غاسلي الذي كان بأمس الحاجة لهذه النتيجة لانتعاش ثقته بنفسه، وإثارة عودة فريق ماكلارين إلى منصة التتويج في موسمٍ مذهل للفريق البريطاني الذي يسعى لدخول معركة الصدارة مجدداً.
البدايةُ كانت مع المعركة جنباً إلى جنب بين هاميلتون وفيرشتابن. حتى الآن، لم تسنح لنا فرصة متابعة هذا الثنائي في منافسةٍ على اللقب، ولكن المعركة التي دارت بينهما في سباق حلبة إنترلاغوس كانت مذهلةً بالفعل.
خسر فيرشتابن الصدارة مرتين لمصلحة هاميلتون. المرة الأولى كانت مع إجراء توقفات الصيانة الأولى، عندما اتجه هاميلتون إلى منطقة الصيانة قبل لفةٍ من فيرشتابن، وليتقدم إلى المركز الأول. لكن فيرشتابن لم يستسلم، وتمكن من تقليص الفارق ومع نهاية لفة فقط، كان بإمكانه استعادة الصدارة من خلال تجاوزٍ جريء وصولاً إلى المنعطف الأول.
بينما خسر فيرشتابن الصدارة للمرة الثانية مع دخول سيارة الأمان، إثر تعطل سيارة مرسيدس الخاصة بـ فالتيري بوتاس، عندما اختار فيرشتابن التوجه إلى منطقة الصيانة ليتزود بمجموعةٍ جديدةٍ من الإطارات اللينة. فريق مرسيدس فسّر عدم استدعاء هاميلتون في تلك المرحلة بأنه أراد ‘اتباع الإجراء المخالف لـ فيرشتابن’، بمعنى أن هاميلتون كان ليتوقف في حال عدم إجراء فيرشتابن لتوقفه.
نجح هاميلتون في السابق بالدفاع عن مركزه مع استخدامه لإطاراتٍ أسوأ، ولكن ذلك لم يحصل مع فيرشتابن الذي لم يشأ الانتظار لفترةٍ طويلة، وانتزع الصدارة مجدداً بأسلوبٍ مذهل في معركةٍ في الحلبة جاءت نتيجة التنوع الاستراتيجي ومحاولات التعامل مع إطارات بيريللي بأفضل طريقة ممكنة.
منذ بداية الحصة التأهيلية، كان من الواضح أن فيرشتابن هو المرشح الأبرز. سيارة ريد بُل تعشق حلبة إنترلاغوس، على الأقل هذا ما حصل العام الماضي (عندما خسر فيرشتابن الفوز بالسباق إثر احتكاكه بسيارة إستيبان أوكون المتأخر بفة كاملة)، وفي الموسم الحالي أيضاً. إذ أن سيارة ‘أر بي 15’ أظهرت وتيرةً لا يستهان بها وهذا ما ضمن لنا متابعة معركةٍ مميزةٍ بين سائقين من الطراز الرفيع.
وفي حين أن الاستراتيجية كافأت فيرشتابن، إلا أنه كان هناك ارتباك ضمن صفوف فريق مرسيدس. لم يقتصر الارتباك على عدم استدعاء هاميلتون عند دخول سيارة الأمان للمرة الأولى، وإنما الارتباك يتعلق بسوء التقدير واستدعائه لإجراء توقف إضافي عندما دخلت سيارة الأمان للمرة الثانية إثر احتكاك ثنائي فيراري.
سوء التقدير هذا أدى إلى خسارة هاميلتون لمركزين، بدلاً عن مركز وحيد، وليتراجع من المركز الثاني إلى المركز الرابع خلف سائق فريق ريد بُل أليكساندر ألبون، وسائق تورو روسو بيار غاسلي.
لوهلةٍ، عند مواصلة السباق، كانت هناك دلائل على أن الأفضلية ستكون لـ هاميلتون نظراً للأفضلية المذهلة التي تمتع بها مع إطاراته الجديدة. حيث تمكن من تجاوز غاسلي على الفور وبدأ بمطاردة ثنائي ريد بُل. إلا أن الاستراتيجية المختلفة لم تنجح مع هاميلتون. بل إن فريق مرسيدس وصف تلك الاستراتيجية بـ ‘الغبية’ عندما كان السباق قاب قوسين أو أدنى من نهايته، وحاول هاميلتون تجاوز ألبون بأسرع وقت لينتهي ذلك باحتكاك الثنائي.
هذا الاحتكاك كان مؤلماً بالتأكيد بالنسبة لـ ألبون، الذي كان يتجه نحو اجتياز خط النهاية بالمركز الثاني، أو الثالث بأسوأ الأحوال، ولكنه تراجع في الترتيب. إلا أنه جاء على حساب السائق الذي بدأ موسمه مع فريق ريد بُل، إذ أن غاسلي قدم سباقاً خالياً من الأخطاء في طريقه لاجتياز خط النهاية بالمركز الثاني.
الجميع يعشق النتائج غير المتوقعة في الفورمولا 1. خصوصاً وأن فرق متوسط الترتيب تبذل مجهوداً كبيراً لتسجيل عدد متواضع من النقاط، لكنه يكون ثميناً للغاية بالنسبة لها. وإن كان تحقيق فريق تورو روسو للمركز الثاني غير كافي، فإن عقوبة هاميلتون أدت إلى عودة فريق ماكلارين إلى مراكز منصة التتويج مع حصول كارلوس ساينز على المركز الثالث.
لا بد هنا من الإشادة بفريق ماكلارين والتقدم المذهل الذي حققه. قبل 12 شهراً، كانت سيارة ماكلارين تتنافس على لقب ‘أسوأ سيارة على شبكة الانطلاق’ مع ويليامز. لكن بالفعل، هناك نقلة نوعية في الفريق مع وصول أندرياس سيدل، مدير برنامج بورشه الناجح في سباقات التحمل، مع التقدم المذهل في الأداء طوال مجريات موسم 2019. حسناً، المنافسة في الصدارة قد تكون بعيدة المنال السنة المقبلة، لكن لا يجب الاستهانة بقوة ماكلارين مع استخدام وحدات طاقة مرسيدس في 2020.
وفي حين أن هذا السباق كان مذهلاً لـ تورو روسو وماكلارين، إلا أنه كان كارثياً لـ فيراري. منذ بداية الموسم، كان من الواضح وجود توتر كبير بين سيباستيان فيتيل وشارل لوكلير. منذ جولة البحرين عندما تجاهل لوكلير أوامر فريقه بعدم تجاوز فيتيل.
في حلبة إنترلاغوس وصل هذا التوتر إلى ذروته. لوكلير أجرى توقفاً إضافياً أثناء سيارة الأمان الأولى، وكانت لديه الإطارات الأفضل. كان من الأفضل، بالنسبة لـ فيراري، إجبار فيتيل على إفساح المجال لـ لوكلير لضمان تحقيقه لأفضل نتيجة ممكنة، لأن لوكلير اتبع نفس استراتيجية فيرشتابن الفائز بالسباق.
ولكن من جهةٍ أخرى، يمكننا تفهم قرار فيراري بإتاحة حرية التسابق لهما لأنهما يتنافسان على المركز الثالث في ترتيب النقاط. لكن من الضروري وضع قيود، إذ أن ما حصل في البرازيل كان غير مقبولٍ إطلاقاً، بغض النظر عن هوية السائق الذي يتحمل مسؤولية هذا الاحتكاك الذي أدى إلى انسحاب ثنائي الفريق الإيطالي.
ماتيا بينوتو مدير جيد لفريق فيراري، وبإمكانه ضمان تمتع الفريق بأداء ووتيرة تطويرية جيدة. لكن، حان الوقت لأن يكون بينوتو صارماً بعض الشيء بخصوص القيود والحدود التي لا يجب تجاوزها إطلاقاً مهما كانت الأسباب.
بالتأكيد، كافة مشجعي الفورمولا 1 لديهم سائق مفضل، أو فريق مفضل. قد تكون نتيجة هذا السائق، أو هذا الفريق، سيئة في سباق البرازيل، مثل ما حصل مع فريق فيراري، فيتيل ولوكلير، وأيضاً مع فريق مرسيدس، مع هاميلتون وبوتاس. لكن بغض النظر عن ميول كل مشجع، فإن الجميع عليه إدراك روعة السباق الذي قدمته لنا حلبة إنترلاغوس.
سباق جائزة البرازيل الكبرى قدم لنا كل ما نعشقه في بطولة العالم للفورمولا 1. حسناً، الموسم الحالي لم يكن كلاسيكياً، لم يشهد منافسة محتدمة على اللقب، ولكن من المؤكد أن العديد من سباقات موسم 2019 كانت رائعةً مع عدم القدرة على التنبؤ بالنتائج حتى اللفات الأخيرة، أو حتى المنعطفات الأخيرة. والآن، تتجه الفئة الملكة من رياضة المحركات إلى حلبة مرسى ياس مع جائزة أبوظبي الكبرى لإنهاء موسمٍ يعد بأن السنة المقبلة ستقدم لنا المزيد من السباقات الرائعة، ولمَ لا، معركة بين عدة سائقين على اللقب!