يستعد فريق فيراري لموسمٍ جديد، بعد فترة شتوية حافلة بالتغييرات، على أمل معالجة نقاط الضعف التي من شأنها إعادة الفريق إلى الأمجاد في بطولة العالم للفورمولا 1. لكن رغم ذلك، فإن هناك المزيد من العوامل التي على فيراري تداركها إن أرادوا تشكيل تهديد حقيقي على اللقب في الموسم الجديد.
فريدريك فاسور المدير الجديد لفريق فيراري. إعلانٌ انتظرنا سماعه منذ عدة أشهرٍ، ولكنه تحقق خلال الفترة الشتوية التي فصلت بين 2022 و2023.
انضمام فاسور إلى فيراري جاء بعد فترةٍ من عدم الاستقرار الإداري للفريق، منذ رحيل مواطنه الفرنسي جان تود نهاية 2007. إذ أن ستيفانو دومينيكالي استمر مديرًا للفريق حتى بدء الحقبة الهجينة في 2014، وليتم استبداله بشكلٍ مؤقت بـ ماركو ماتياتشي، ثم ماوريزيو أريفابيني.
جميع هؤلاء كانوا من خلفيةٍ إدارية، بخلاف المدير الأخير الذي سبق فاسور، ألا وهو ماتيا بينوتو، مهندس المحركات ومدير القسم التقني في فريق فيراري الذي تمت ترقيته لخلافة أريفابيني في 2019.
إدارة فيراري كانت قد أكدت أنها ستمنح بينوتو الفترة المتاحة للنجاح، ولن يكون هناك تسرع في الاستغناء عن خدماته، حتى أثناء المواسم الكارثية لـ فيراري في 2020 و2021، حيث كان الهدف والمحور هو الحقبة الجديدة والتغييرات الجذرية في القوانين التقنية والتي تم اعتمادها العام الماضي.
البداية كانت إيجابية، أداء فيراري كان مميزًا في بداية الموسم، ولكن جولةً تلو الأخرى بدأت نقاط الضعف بالظهور. مشاكل الموثوقية، القرارات الاستراتيجية الخاطئة، والنهج الخاطئ في تطوير السيارة.
هذه العوامل أدت إلى استسلام إدارة فيراري، واتخاذ القرار الحاسم بالتخلي عن بينوتو بمفعولٍ فوري، وانضمام فاسور.
الآن، انضمام فاسور يجب أن يساهم، بدوره، في تغيير عقلية إدارة فيراري، ولا يجب التسرع في التخلي عنه. فاسور أثبت نجاحه في كافة الفرق التي قام بإدارتها، سواءً في الفئات المساندة للفورمولا 1، أو مع فريق ألفا روميو الذي حقق العام الماضي أفضل نتيجة له منذ عودة اسم ألفا روميو إلى الفورمولا 1 في 2018.
بالتالي لدى فاسور سجل مثبت من النجاحات، وهو مدير يدرك ما عوامل النجاح وكيفية استثمار موارد الفريق لاستخراج أقصى الإمكانيات وتحقيق أفضل نتيجة ممكنة.
فاسور لن يكون بحاجة لإعادة بناء الفريق من الصفر، ليس بحاجة لاكتشاف المواهب والعمل على تصميم سيارة سريعة. فريق فيراري لديه كافة هذه العوامل.
لا أحد يشكك بمواهب فيراري، والابتكارات التي بإمكان الفريق التوصل إليها. هذا الفريق قام بتصميم سيارة كانت من الأسرع في موسم 2022، إن لم تكن الأسرع على الإطلاق (حسب أرقام الحصص التأهيلية)، وبالتالي لديهم المواهب اللازمة لتصميم سيارة تنافسية.
المفهوم التصميمي لسيارة فيراري العام الماضي، على صعيد الجوانب والفتحات الجانبية، كان الوحيد من نوعه في شبكة الانطلاق، مع تأكيد عدد من المنافسين أنهم لا يستوعبون كيف يمكن أن ينجح مثل هذا التصميم، ولكن على أرض الواقع، كانت السيارة سريعة.
كما أن الفريق ليس بحاجةٍ لأعضاء مختلفين بالكامل في قسم الاستراتيجيات. علينا ألا ننسى، هذا الفريق هو الذي اتبع استراتيجية مميزة، وناجحة، في النمسا ساهمت في تجاوز شارل لوكلير لـ ماكس فيرشتابن 3 مراتٍ ليتمكن من الفوز بالسباق.
لربما كانت مشاكل الموثوقية نقطة الضعف الأبرز لـ فيراري العام الماضي، والفريق أكد أنه استثمر جهودًا ضخمة لمعالجتها بشكلٍ جذري في موسم 2023.
بالتالي، لدى فاسور فريق متكامل: ابتكارات على صعيد التصميم، إمكانية اتخاذ قرارات استراتيجية ناجحة، وموثوقية جيدة. ما هي مهمته للنجاح إذًا؟
مهمته هي التخلص من عقلية “الارتياح”، عقلية عدم المبالاة، وبدلًا عنها تبني عقلية الفوز، عقلية التعطش للمزيد من النجاحات والانتصارات.
لا، لن يكون من الكافي تصدر البطولة بفارق مريح بعد 3 جولات كما حصل مع لوكلير مطلع 2022، سيكون على فيراري الضغط جولةً تلو الأخرى، والتنسيق بين مختلف الأقسام، وعدم اتباع قرارات استراتيجية ‘مغامرة’ والمراهنة الخاطئة التي ستؤدي إلى خسارة الفوز بالسباق.
يجب أن يترافق ذلك مع وتيرة تطويرية عالية، وفعّالة، طوال الموسم. ما حصل مع فيراري العام الماضي مشابه، بشدة، لما حصل في 2018. بداية الموسم مع سيارة مميزة، تنافسية، والأسرع مقارنةً مع كافة الفرق الأخرى. لكن، شيئًا فشيئًا، تراجعت الوتيرة التطويرية. في 2018، كان التفوق لفريق مرسيدس، بينما في 2022 كان التألق لـ ريد بُل، فيما كان على فيراري منافسة فريق مرسيدس على المركز الثاني في ترتيب بطولة العالم للصانعين، وذلك بعد معاناة مرسيدس في الجولات الأولى من التأهل ضمن المراكز العشرة الأولى على شبكة الانطلاق!
هذا الحل لن يكون سهلًا، ولن يكون سريعًا، وليس بسيطًا. إذ يجب زرع ثقافة الفوز في فيراري، ثقافة التعطش للمنافسة بدون توقف، وهذا الأمر سيحتاج بعض الوقت.
لذلك، إن أرادت إدارة فيراري العودة إلى الفوز بالألقاب، سيكون عليهم منح فاسور الوقت الذي يحتاجه للنهوض بـ فيراري، إذ أن عدم منافسة فيراري لا يعني عدم جدوى إدارة فاسور، خصوصًا مع سجله المثقل بالنجاح في كافة الفرق التي تواجد بها، وإنما يعني أنه يحتاج للوقت لضمان عمل كافة أعضاء الفريق على المستوى المطلوب.
قد لا يحصل ذلك في 2023، من يعلم، ولربما ننتظر حتى 2026 وبدء حقبة المحركات الجديدة قبل عودة الألقاب إلى فيراري، كلها سيناريوهات ممكنة. لكن علينا ألا ننسى في الوقت ذاته، أن جان تود انضم إلى فيراري في 1993، ولكن ‘الفترة الذهبية’ للفريق الإيطالي العريق لم تبدأ إلا مع الفوز بلقب الصانعين في 1999، ومن ثم كافة الألقاب بين 2000 و2004، أي أنه احتاج لـ 6 أعوامٍ من التأسيس وبناء فريق متكامل قبل المنافسة.