يكثر الحديث في بطولة العالم للفورمولا 1، باستمرار، عن أهمية إجراء فيراري لتغييراتٍ للعودة إلى مستوى أداء تنافسي. في كل مرةٍ تحصل فيها مثل هذه التغييرات، تُثبت عدم نجاحها. إلا أن ما حصل خلال الأسابيع القليلة الماضية يشير إلى وجود تغييرات قد تؤتي بثمارها بالفعل على المستقبل طويل الأمد…
يبدو بأنه قد مضى وقتٌ طويل منذ فوز فريق فيراري بألقاب بطولة العالم للفورمولا 1. منذ 2007، مع فوز كيمي رايكونن بلقب بطولة السائقين، ومن ثم فوز الفريق بلقب الصانعين في العام التالي. منذ ذلك الحين، لم تحمل مواسم الفورمولا 1 سوى خيبات الأمل بالنسبة لفريقٍ كل ما يرضيه، في نهاية المطاف، هو الفوز بالألقاب.
اقرأ أيضاً: إرث فيراري العائق الأكبر في طريقهم للنجاح
يمكننا القول بأن فريق فيراري عانى بشكلٍ كبير منذ التغييرات الجذرية في القوانين في 2009. منذ ذلك الحين، لم يتأقلم فريق فيراري مع متطلبات الفورمولا 1 المتغيرة والمرنة، وكان التفوق للعديد من المنافسين مثل ريد بُل، ومؤخراً مرسيدس.
بالنسبة لفريق فيراري، وبالنسبة لوسائل الإعلام الإيطالية أيضاً، الفوز بالسباقات لا يعتبر كافياً. الغاية الوحيدة هي الفوز بالألقاب، وهذا الأمر أدى، بطبيعة الحال، إلى تعرض الفريق لضغطٍ كبير منذ أكثر من 10 أعوامٍ.
كان لا بد، عند مواجهة خيبات الأمل هذه، من اتخاذ فريق فيراري لقراراتٍ وإجراء تغييراتٍ في الفريق لم تنجح إطلاقاً. السبب؟ ببساطة، التركيز في المستقبل قصير الأمد.
اقرأ أيضاً: فيتيل غير نادم على انتقاله من ريد بُل إلى فيراري
الجميع رأى ما حصل مطلع 2011، عندما تخلى فريق فيراري عن مديره التقني آنذاك ألدو كوستا، وليغتنم فريق مرسيدس فرصة ضمه على الفور، وليعمل كوستا بتركيزٍ كاملٍ على تصميم سيارة 2014 لـ مرسيدس، ويمكننا ملاحظة تفوق الأسهم الفضية منذ ذلك الحين.
بعد انتهاء “الحقبة الذهبية” لفريق فيراري، التي تميزت بوجود جان تود مديراً للفريق، روس براون مديراً تقنياً، ومايكل شوماخر كسائقٍ نجم، انتهى أسلوب التفكير المنفتح في فيراري، كانت هناك عودة إلى الجذور، عودة إلى العقلية الإيطالية في التفكير، عودة إلى اتخاذ قرارات متسرعة لمجرد الحاجة والضرورة لإجراء تغييراتٍ.
لا حاجة لنا لسرد ما حصل منذ 2009 وحتى يومنا هذا. لكن، لنسرع وننتقل بالزمن إلى الموسم الحالي، في 2020.
اقرأ أيضاً: فيتيل يريد إثبات خطأ فريق فيراري بالتخلي عنه
مرةً أخرى، بدأ فريق فيراري الموسم بشكلٍ سيئٍ جداً. السيارة غير تنافسية، تفتقر للسرعات القصوى، تفتقر للتماسك، تفتقر للثبات والتوازن ومستويات الارتكازية العالية. بالمختصر، سيارة فيراري “أس أف 1000” سيئة بكافة المقاييس.
على الفور، بدأت الشائعات حول إمكانية إقالة ماتيا بينوتو ورحيله عن منصبه، وإمكانية انضمام مدير برامج فيراري للسيارات الرياضية ليستلم إدارة فريق الفورمولا 1.
اقرأ أيضاً: ريكاردو يعتقد أن فريق رينو أسرع من فيراري في 2020
إلا أن ذلك لم يحصل. بعد جائزة المجر الكبرى، والتي شهدت تأخر فريق فيراري بلفةٍ كاملةٍ عن فريق مرسيدس المتصدر، وعدم قدرة شارل لوكلير على التواجد ضمن مراكز النقاط رغم عدم وجود مشاكل في سيارته، كان هناك بيان من فريق فيراري يؤكد وجود إعادة هيكلة للفريق التقني.
عندما أُعلن عن ذلك البيان، حتى قبل قراءته، كانت كافة الأنظار تتجه نحو الشخص الذي تم التخلي عنه. لكن في الواقع، ذلك لم يحصل.
عوضاً عن ذلك، كان هناك إحداث لقسم جديد لمراقبة تطوير وأداء السيارة، ولضمان وجود تنسيق أفضل بين مختلف الأقسام في فريق فيراري، مع التأكيد على “الثقة بالقدرات والخبرات لكافة العاملين في الفريق في مختلف أقسامهم”.
اقرأ أيضاً: فريق فيراري يجد تحسناً في مشكلة تطابق البيانات
كما أن رئيس مجلس إدارة فيراري، جون إيلكان، أجرى مقابلةً تحدث فيها بصراحةٍ مطلقة مع صحيفة لاغازيتا الإيطالية.
جرت العادة في السابق على تشديد مدراء فيراري في كافة تصريحاتهم على الثقة المطلقة بالعودة إلى الفوز والمنافسة على الألقاب بأسرع وقتٍ ممكنٍ.
إلا أن إيلكان كان واضحاً: تأدية فريق فيراري لن تكون تنافسيةً قبل بدء الحقبة الجديدة مع تغييراتٍ جذرية في القوانين في 2022. كما شدد على ثقته المطلقة بمدير فريق فيراري ماتيا بينوتو، وقدرته على النهوض بالفريق والنجاح.
اقرأ أيضاً: فريق فيراري عانى من مشاكل جذرية لعشرة أعوامٍ
لم تكن هناك سياسة اللوم في تصريحات إيلكان، لم تكن هناك تصريحات من شأنها وضع أعضاء فريق فيراري تحت ضغطٍ كبير. مجرد التأكيد على أن على الجميع “الصبر” قبل عودة فريق فيراري إلى الصدارة تمثل تغيراً مذهلاً في سياسة فيراري.
في حال كانت التصريحات تؤكد وتشدد على ضرورة العودة إلى سكة الانتصارات بأسرع وقتٍ ممكنٍ، كما كان يحصل في الأعوام الماضية، كان فريق فيراري سيفشل في تحقيق ذلك، وكنا سنرى مرةً أخرى، إقالاتٍ بالجملة وتغييراتٍ في صفوف الفريق الإيطالي.
اقرأ أيضاً: مرسيدس: تأثر محركات فيراري بالقيود الجديدة مضحك
تلك التغييرات كانت ستؤدي إلى انعدام الثقة مجدداً، كانت ستؤدي إلى انعدام إمكانية أعضاء الفريق على الابتكار، نظراً لأن أي خطأ كان من شأنه أن يؤدي إلى خسارتهم لعملهم ورحيلهم عن الفريق.
لكن يبدو أن إدارة فيراري تدرك ما الذي يجب القيام به، تدرك ضرورة تغيير عقلية ونهج التحكم بالفريق، تدرك ضرورة وجود مرونةٍ، وضرورة التشجيع على الابتكار والابتعاد عن تحميل المسؤولية، وهذا أمرٌ مشجع جداً بالنسبة لنا، كعشاقٍ للفورمولا 1، وبالنسبة لمشجعي فيراري من مختلف أنحاء العالم.
اقرأ أيضاً: فريق فيراري مستعد لتوقيع اتفاقية كونكورد الجديدة
ماذا الآن؟ مع تشديد إيلكان على ثقته المطلقة بإدارة بينوتو، وثقته بقدرات العاملين في فيراري على النهوض بالفريق والعودة إلى الصدارة في موسم 2022، لدى فريق فيراري إمكانية كبيرة لاستغلال الوقت، واستغلال عدم تعرضه لضغطٍ كبير، للعمل على سيارة الحقبة الجديدة بأفضل طريقة ممكنة، وضمان التفوق على المنافسين.
حسناً، قد يكون على مشجعي فيراري الانتظار بعض الشيء قبل رؤية الحصان الجامح في الصدارة مجدداً. لكن على الأقل، في حال استمر نهج فريق فيراري الحالي، واستمر الابتعاد عن ثقافة اللوم واستمر اتباع نهج العقلية المنفتحة، فإن عودة فيراري إلى دائرة المنافسة في الصدارة قد لا تكون لبضعة سباقاتٍ في الموسم، وإنما قد تدوم لفترةٍ طويلة تذكرنا بالنجاحات المذهلة التي حققها مايكل شوماخر مطلع القرن الحالي.
في مقابلته مع صحيفة لا غازيتا الإيطالية، طلب جون إيلكان من مشجعي فيراري التحلي بالصبر. هذا الطلب موجه، بشكلٍ غير مباشر، إلى وسائل الإعلام الإيطالية أيضاً لتكف عن الضغط عن فيراري.
كما أن على هذا الطلب أن يُوجَّه أيضاً إلى مجلس إدارة فيراري بأكمله، مع ضرورة التحلي بالصبر وضمان اتخاذ قرارات عقلانية تصب بمصلحة الصانع الإيطالي في المستقبل طويل الأمد إن كان الفريق يريد العودة بسياراته الحمراء إلى الفوز بألقاب الفئة الملكة من رياضة المحركات.