من المؤكد أن سباق جائزة إيطاليا الكبرى كان أحد أجمل سباقات موسم 2020 من الفورمولا 1. مع النظر في تفاصيل هذا السباق، ومحاولة قراءة تلك المنافسات مع التغييرات في القوانين المستقبلية، لا يمكننا سوى القول بأن مستقبلاً مذهلاً ينتظر الفئة الملكة من رياضة المحركات.
شهدت جائزة إيطاليا الكبرى، ثامن جولات موسم 2020 من بطولة العالم للفورمولا 1، سباقاً كلاسيكياً بكافة المقاييس، مع منافساتٍ مذهلة، تغييرات جذرية في الترتيب، ومعركة على الصدارة لم تُحسم حتى اجتياز خط النهاية.
التقرير: سباقٌ جنوني، مذهل في مونزا مع فوز غاسلي أمام ساينز!
حسناً، كنا بحاجةٍ لبعض الظروف الاستثنائية، مثل دخول سيارة الأمان مرتين، إغلاق منطقة الصيانة، ورفع الأعلام الحمراء أيضاً.
لكن كافة تلك العوامل قدمت لنا سباقاً ملحمياً بالفعل. مع تغيير ترتيب السائقين، ومع تراجع لويس هاميلتون إلى المركز الأخير.
لا بد لنا، هنا، من الوقوف عند أداء هاميلتون، وعند أداء فريق مرسيدس بأكمله. هناك محاولات مستمرة للحد من سيطرته، وللحد من أفضليته، ولكن الفريق يثبت مرةً تلو الأخرى أنه الأفضل في الفورمولا 1 حالياً، وبفارقٍ كبير.
المزيد من أخبار الفورمولا 1!
غاسلي لا يصدق، لا يجد الكلمات المناسبة، بعد فوزه في مونزا
هاميلتون يهنئ غاسلي، يتحمل مسؤولية خطأ توقف الصيانة
“نصف خيبة أمل” لـ ساينز بمركزه الثاني في مونزا
إذ أن فريق مرسيدس كان لديه سيناريو للتعامل مع وضع قيود للحد من تعديل معايير ضبط المحركات بين الحصص التأهيلية والسباقات حتى قبل طرح هذه الفكرة ومساعي ريد بُل لإجبار الاتحاد الدولي للسيارات على اعتمادها.
لذلك، عندما اعتُمدت تلك القيود بالفعل، كان فريق مرسيدس الأقل تأثراً، مع تمتعه، مع هاميلتون على الأقل، بسرعةٍ مذهلةٍ طوال السباق، سواءً أثناء تصدر هاميلتون وتوسيعه للفارق إلى المركز الثاني ليصل إلى أكثر من 13 ثانية في المرحلة الأولى من السباق، أو من خلال تراجع هاميلتون إلى المركز الأخير بسبب عقوبة دخوله لمنطقة الصيانة أثناء إغلاقها.
إذ أن هاميلتون كان على بعد أكثر من 20 ثانية عن أقرب سيارة إليه، عندما تواجد بالمركز الأخير، لكن وتيرته المذهلة، مع سلسلة التجاوزات الجريئة التي قام بها، سمحت له باجتياز خط النهاية بالمركز السابع، وكان بحاجةٍ لبضعة لفاتٍ فقط ليتقدم حتى إلى المركز الخامس.
خلط الأوراق بهذا الشكل، في ظل تراجع أداء ريد بُل في سباق مونزا، إضافةً إلى استمرار الأداء الكارثي لـ فيراري، أتاح الفرصة أمام فرق متوسط الترتيب للتألق والمنافسة على الفوز.
لكن في الواقع، هذه المعارك ليست بجديدةٍ! هي تحصل سباقاً تلو الآخر، ولكنها تحصل في منطقة متوسط الترتيب الذي يشهد في كافة الجولات منافسةً محتدمةً بين مختلف الفرق، وتكون هناك اختلافات بسيطة جداً في مستويات الأداء.
ولطالما تابعنا، في السباقات الماضية، تلك المعارك التي تصل حتى اللفة الأخيرة من السباق، وسط تبادلٍ للمراكز ومنافساتٍ جريئة تحبس الأنفاس.
الاختلاف، في جائزة إيطاليا الكبرى، أن تلك المعارك كانت على الصدارة. كانت على الفوز بالسباق، وهنا جاء التألق، جاء رونق سباق حلبة مونزا ليُعتبر من الأفضل في موسم 2020، وسيكون من الصعب جداً أن نشهد سباقاً أفضل منه، ولكن لا مستحيل في الفورمولا 1، هذا مؤكد!
حسناً، كيف يُعتبر سباق إيطاليا لمحةً عن المستقبل المذهل الذي ينتظر الفورمولا 1؟ كما ذُكر مسبقاً، فإن تلك المعارك بين فرق متوسط الترتيب تستمر جولةً تلو الأخرى، بسبب التقارب الكبير في مستويات الأداء.
كيف تحقق هذا التقارب الملحوظ في مستويات الأداء بين مختلف فرق متوسط الترتيب؟ بسبب الميزانيات، ببساطة. لدى كافة فرق متوسط الترتيب ميزانيات متقاربة من بعضها البعض، لديها الموارد ذاتها. حتى بالنسبة لـ رينو، وهو فريق مصنع، فإنه كان قد كشف في السابق أن ميزانيته هي مماثلة لميزانية فريق تورو روسو، أو ألفا توري كما يُعرف في الموسم الحالي مع فوزه بسباقه الأول في مونزا.
قد يهمك أيضاً: Netflix تقوم بإنتاج مسلسل عن مسيرة وحياة سينا
هذه الميزانيات المتقاربة، وهذه الموارد المتقاربة، تعني عدم إمكانية حصول أحد الفرق على أفضليةٍ كبيرةٍ على بقية منافسيه في منطقة متوسط الترتيب.
كما أن هذا التقارب في الميزانيات، والفارق الضخم بينها وبين ميزانيات الفرق الثلاثة الكبيرة، هو الذي يؤدي إلى وجود فجوة في مستوى الأداء بين الثلاثة الكبار من جهة، وفرق متوسط الترتيب من جهة.
بالتأكيد، هذا لا ينطبق بدقةٍ كبيرة على الموسم الحالي، الذي يشهد وجود فريقين فقط في الصدارة، نظراً لأن فريق فيراري، ورغم موارده الضخمة، يعاني من نتائج سياسةٍ سيئةٍ ناجمة عن اتجاه تطويري خاطئ، إضافةً إلى اتباع وسائل عمل، ربما، لم تكن مطابقةً للقوانين في السابق على صعيد وحدات الطاقة ولم يكن بإمكانه استغلالها في الموسم الحالي في ظل القيود الجديدة.
هذا الفارق في الميزانيات، الذي قد يتراوح لمئات ملايين الدولارات، بين الفرق الكبيرة وفرق متوسط الترتيب، هو السبب الأساسي في الفجوة الكبيرة في الأداء، هو السبب الأساسي الذي يحول دون منافسة فرق متوسط الترتيب، ضمن ظروفٍ طبيعية، على مراكز الصدارة والمنافسة على الفوز بالسباقات ضد مرسيدس وريد بُل، وفي الأعوام الماضية فيراري أيضاً.
اقرأ أيضاً!
فيتيل: على الأقل، تعطل المكابح حصل في أفضل مكانٍ
مرسيدس: كان هناك ارتباك كبير في توقف هاميلتون في مونزا
لوكلير يتحمل مسؤولية الحادث في سباق مونزا
هنا تأتي أهمية القوانين الجديدة التي وضعتها إدارة الفورمولا 1 ممثلةً بشركة ليبيرتي ميديا، والتي سيتم تطبيق الجوانب المالية منها بدءاً من 2021.
حسناً، سيكون هناك ثورة تقنية في موسم 2022، مع تغيير أسلوب تصميم السيارات بالكامل، وسيؤدي ذلك إلى تصميم كافة الفرق لسياراتٍ مختلفة جذرياً، دون الاعتماد على معطيات السيارات السابقة، وبالتالي الجميع سيبدأ من نقطة البداية.
ولكن، إضافةً إليها، علينا ألا ننكر أهمية القوانين المالية، والتي ستحدد سقف الميزانيات في الفورمولا 1 بدءاً من 2021. أي أن على كافة الفرق الالتزام بسقفٍ محدد للميزانيات لا يمكن تجاوزه، وبالتالي سيصبح لدى كافة الفرق الميزانيات ذاتها، والموارد ذاتها لتطوير السيارة.
سيتبع الاتحاد الدولي للسيارات نهجاً صارماً لفرض تلك القيود في الميزانيات، لأن الجميع يعلم أن هذا الأمر سيؤدي إلى عدم وجود اختلاف في حجم الإنفاق، لن يؤدي إلى وجود اختلاف في وتيرة تطوير السيارات وحجم الاستثمارات التي يقوم بها كل فريق للتمتع بأفضل أداء ممكن. سيؤدي ذلك كله إلى تقارب مستويات الأداء بين مختلف فرق الفورمولا 1.
وبالتالي، فإن ما نراه في الحقبة الحالية من تقاربٍ في مستويات الأداء بين فرق متوسط الترتيب جولةً تلو الأخرى، سيصبح ملموساً أيضاً في تقارب الأداء بين تلك المجموعة من الفرق، وفرق الصدارة أيضاً.
حسناً، ربما لن يكون ذلك مع بدء الحقبة الجديدة مباشرةً في 2022، ولكن موسماً تلو الآخر، مع استقرار القوانين واستمرار فرض القيود على الميزانيات، يمكننا أن نتوقع وجود معارك مذهلة بين مختلف فرق البطولة مع صعوبة التنبؤ بالفائزين، وهذا الأمر سيدعمه وجود سيارات تعتمد في تصميمها على ضمان إمكانية مطاردتها لبعض البعض بسهولة، لضمان زيادة فرص التجاوزات.
ذلك كله، بالترافق مع جيلٍ من السائقين اليافعين الذين سيتألقون كنجومٍ في عالم الفورمولا 1 في الحقبة المقبلة، يعد بمستقبلٍ مذهلٍ بالفعل للفئة الملكة من عالم رياضة المحركات، ولا يمكننا سوى أن ننتظر تلك الحقبة بفارغ الصبر!