يعتبر فريق فيراري، بدون منازع، أعرق وأحد أهم فرق بطولة العالم للفورمولا 1 بالتأكيد، ويحلم كل سائقٍ بالقيادة لمصلحة هذا الفريق. لكن، وفقاً لتجارب عديدة في الأعوام القليلة الماضية، على الفريق الإيطالي التعامل مع أبطاله بأسلوبٍ أفضل.
لطالما تواجد فريق فيراري في الفورمولا 1. ذلك الاسم العريق، حتى عندما لم يكن ضمن دائرة المنافسة على الفوز بالألقاب، كان باستمرار حلم وطموح كل سائقٍ، وكما قال أحد السائقين الحاليين في فريق فيراري، سيباستيان فيتيل، فإن ‘كل سائقٍ هو مشجع لـ فيراري، كل سائقٍ يحلم بالقيادة لمصلحة فيراري’.
اقرأ أيضاً: على فريق فيراري إجراء محادثات صريحة مع فيتيل
من ضمن أولئك السائقين الذين يحلمون بالقيادة لمصلحة الحصان الجامح في الفورمولا 1، هناك عدة أبطالٍ، سبق لهم تحقيق الكثير، والكثير، في مسيراتهم الاحترافية، ولكنهم أرادوا ضمان وجود فصل من فصول مسيراتهم ضمن صفوف القلعة الحمراء.
ولكن في الوقت ذاته، عندما يأتي الوقت لرحيل أولئك الأبطال عن فريق فيراري، نرى بأنهم يرحلون بأسلوبٍ غير جيد، ولا يليق بالإنجازات التي حققوها في الفورمولا 1.
بدايةً، لا بد من التشديد أن ما يحصل حالياً ضمن صفوف فريق فيراري لا يتعلق بـ شارل لوكلير، ولا بد من التأكيد أن المونيغاسكي غير مسؤول عن طبيعة العلاقة بين فيراري وسيباستيان فيتيل. بل إن لوكلير يقدم أداءً مذهلاً مع سيارةٍ لا يمكن وصفها إلا بأنها سيئة بالفعل.
لكن، المشكلة تكمن في إدارة فريق فيراري، وعدم تعاملها مع فيتيل بأسلوبٍ صحيح ولائق نظراً للإنجازات التي حققها الألماني في مسيرته الاحترافية.
اقرأ أيضاً: بروست حزين لرؤية فيتيل في وضعه الحالي مع فيراري
علينا ألا ننسى، فيتيل بطل عالم رباعي. هذه ليست مهمة سهلة، فيتيل فاز بأربعة ألقابٍ متتالية في مسيرته الاحترافية، وهو سائق قوي. حسناً، لديه أسلوب محدد جداً للتعامل مع السيارة، وعليه أن يتمتع بثقةٍ عالية بمقدمة السيارة ليستخلص أقصى قدراتها، وهذه نقطة ضعفٍ للألماني، ولكن لا يجب الاستهانة بموهبته أو سرعته.
كثر الحديث في الآونة الأخيرة عن محاولات فريق فيراري ‘تخريب’ سيارة فيتيل، أو ضمان عدم ضبطها كما يرغب الألماني. ببساطة، هذه مجرد أحاديث وأقاويل ليس لها، بوجهة نظري، أي أساسٍ من الصحة. المشكلة بين فيراري وفيتيل لا تتعلق بضبط السيارة، وإنما بطبيعة العلاقة وأسلوب التعامل بين الطرفين الذي أدى إلى انعدامٍ كاملٍ للثقة.
كما ذُكر قبل قليل، فيتيل يحتاج لمقدمة سيارة ثابتة واستجابتها دقيقة ليتمكن من إظهار أقصى قدراته. ما يحصل حالياً، ربما، هو أن فيتيل يطالب فريقه بإجراء تغييرات في السيارة لتلائم أسلوب قيادته، ولكن الفريق لا يستجيب لتلك المطالب نظراً لأنه يدرك أن فيتيل سيرحل عن صفوفه نهاية الموسم الحالي، وأن نجم المستقبل للحصان الجامح هو شارل لوكلير.
التأقلم مع سيارةٍ صعبة يعتبر تحدياً بالتأكيد، ولكن التأقلم مع سيارة غير متوازنة مختلف كلياً. لنعود بالذاكرة إلى 2019، العام الماضي شهد معاناة فيتيل مع عدم قدرته على استخلاص أقصى قدرات السيارة، نظراً لعدم ثقته، مرةً أخرى، بمقدمة السيارة، ما أدى إلى عدم استقرار القسم الخلفي أثناء اجتياز المنعطفات والتسارع منها، بخلاف لوكلير الذي تألق في هذه المجالات وتمكن من تحقيق العديد من النتائج القوية مع تفوقه على فيتيل.
ولكن حتى في ظل تلك المصاعب، لم يقل فيتيل أن سيارة فيراري في موسم 2019 لم تكن متوازنة. كانت السيارة متوازنة، ولكنه وجد صعوبةً في التأقلم مع قيادتها والضغط إلى أقصى الحدود.
ما الذي يعنيه عدم توازن سيارة الفورمولا 1؟ ببساطة، تغير توازن السيارة باستمرار. هناك ميّزات لكل سيارة فورمولا 1، إما انزلاق القسم الأمامي، أو انزلاق القسم الخلفي. عادةً ما تتمتع السيارة (المتوازنة) بأحد هذين الأمرين أثناء الوصول إلى المنعطفات والتسارع منها.
وجود أحد هذين الأمرين يمنح السائق فرصةً للتأقلم مع أسلوب القيادة، ويصبح لديه، بمرور الوقت، فكرة عن استجابة السيارة في ظل استقرار توازنها.
بينما انعدام التوازن يعتبر مختلفاً كلياً، وإنه يعني تغير استجابة السيارة. قد ينزلق القسم الأمامي من السيارة وصولاً إلى المنعطف أثناء الكبح، ولكن بعد ذلك عندما يحاول السائق التسارع، قد يتفاجأ بانزلاق القسم الخلفي، وبالتالي تكون هناك استجابة غير ثابتة، وقيادة مثل هذه السيارات مهمة صعبة جداً.
فيتيل يطلب من فريق فيراري، باستمرار، تحسين توازن السيارة دون أن يتحقق ذلك، وهذا الأمر يزيد من الصعوبات التي يواجهها من الأساس بأنه سائق يتطلب استقراراً لمقدمة السيارة، بمعنى أنه حتى عندما تكون السيارة متوازنة، فيتيل يحتاج لمقدمة سيارة جيدة يمكنه الثقة بها، بينما لا يواجه لوكلير مثل هذه المشاكل على الإطلاق مع قدرته على التأقلم مع قيادة هذه السيارة.
حسناً، قد تكون هذه نقطة قوةٍ لـ لوكلير، يتفوق فيها على فيتيل بفارق كبير جداً، ولكن في الوقت ذاته على فريق فيراري عدم إهمال مطالب فيتيل، والسعي لإصلاح السيارة. بينما ما يحصل، كما رأينا في الجولات الماضية، هو أن فيتيل عانى من مشاكلٍ في تجارب الجمعة والسبت قد لا يعاني منها فريق مشارك في فئة فورمولا رينو الصغيرة والبسيطة (عندما عانى من عدم تثبيت قطع قرب دواسات مقصورة القيادة خلال تجارب الجمعة والسبت)، وهذا الأمر ناجمٌ عن الإهمال وعدم الانتباه إلى التفاصيل التي يتطرق إليها فيتيل.
وبعيداً عن السيارة، النقطة الأبرز التي تتوضح فيها سوء معاملة فريق فيراري لـ فيتيل تتمثل بالاستراتيجية في السباقات. كما حصل في سباق جائزة الذكرى الـ 70 الكبرى نهاية الأسبوع الماضي.
حسناً، فيتيل ارتكب خطأً يتحمل مسؤوليته بالكامل عند المنعطف الأول. في الواقع، كان خطأً غريباً بالنسبة لسائقٍ مثل فيتيل، على سرعةٍ بطيئةٍ، صعد على الحفف الجانبية للمنعطف الأول، فقد السيطرة على سيارته ولم يتمكن من السيطرة عليها.
اقرأ أيضاً: باتون عن معاناة فيتيل: ربما فقد تركيزه
فيتيل أخطأ بهذا الخطأ بالتأكيد، مع تراجعه في الترتيب. لكن فريق فيراري تعامل معه بأسلوبٍ غير لائق إطلاقاً على صعيد الاستراتيجية.
وفقاً لتصريحات فيتيل، فإنه تحدث مع فريقه عن ذلك السيناريو تحديداً، سيناريو تواجده في الحلبة أمام لوكلير، وأكد أنه سيفسح المجال لزميله في الفريق في حال حصل ذلك، لأنه كان يعلم بأن لوكلير سيتبع استراتيجية مختلفة، ويريد إنجاح استراتيجية التوقف الوحيد.
المزيد من الأخبار عن هذا الموضوع:
فيتيل يعتقد أن استراتيجية فيراري كانت غير منطقية
تغيير استراتيجية فيتيل كان لإفساح المجال لـ لوكلير
فيتيل طلب من فريقه بوضوح، قبل السباق، ألا يستدعوه لإجراء توقف صيانة مبكر في تلك الحالة، وأنه سيبتعد لـ لوكلير بدون مشاكل. ولكن فريق فيراري تجاهل تلك المطالب من فيتيل، وقام باستدعائه على الفور، وهذا الأمر أثار استياء فيتيل بشكلٍ كبير، وهو محق بذلك.
ربما تأثرت استراتيجية فيتيل بالخطأ الذي ارتكبه عند الانطلاق، ولكن من خلال تصريحاته، كان من الواضح أنه تحدث مع فريق فيراري بخصوص سيناريو محدد وصريح، ورغم ذلك فريق فيراري خالف رغبة فيتيل، مزيداً بذلك المشاكل بينه وبين فريقه، ومزيداً بذلك انعدام الثقة بين الطرفين.
هذا أمرٌ ليس بجديدٍ في فريق فيراري، خصوصاً ما يتعلق بتفضيل الاستراتيجية، ورأينا ذلك في العديد من المرات في السابق، ولكن لا بد من فيراري أن يتم تغيير هذا النهج، وأن يُعامل أبطالهم معاملةً أفضل قبل رحيلهم، لتكون نهايةً مُرضية للطرفَين.
رأينا ذلك من قبل مع كيمي رايكونن، قبل رحيله عن فريق فيراري نهاية 2018، حيث كان يحصل دوماً على الاستراتيجية الأسوأ، وكان التفضيل – لسخرية القدر – لـ فيتيل، قبل ذلك رأينا فرناندو ألونسو، ورحيله عن فريق فيراري مع نهاية 2014 بعد خمسة مواسمٍ كان قريباً فيها من الفوز باللقب مرتَين رغم عدم حصوله على سيارةٍ قوية.
حتى قبل ذلك، لنعود بالذاكرة إلى 2009، كان كيمي رايكونن أحدث بطلٍ لـ فيراري (وهو ما زال كذلك حتى الآن)، ولكن في موسم 2009 كان رايكونن قد فاز باللقب قبل عامَين فقط مع فريق فيراري، في 2007، ولكن رغم ذلك تخلى عنه الفريق بكل بساطة مقابل ضم فرناندو ألونسو، كما أن رايكونن لم يحصل على معاملةٍ جيدةٍ في تلك السباقات الأخيرة من ذلك الموسم أيضاً.
مرةً أخرى، فريق فيراري هو الأعرق في تاريخ الفورمولا 1 بأكمله، وسيحلم كل سائقٍ بالقيادة لمصلحته في مرحلةٍ من مراحل مسيرته الاحترافية. لكن، كما حصل مع فيتيل، ومن قبله العديد من الأبطال الذين قادوا وقدموا أقصى ما لديهم لمصلحة الحصان الجامح، من يعلم، ربما يجد نجوم فيراري المستقبليون، ممثلين بـ شارل لوكلير وكارلوس ساينز السنة المقبلة، أنفسهم في وضعٍ مماثلٍ بعد بضعة سنواتٍ، ولا بد لذلك أن يتوقف، إذ لا يجب أن تنتهي علاقة سائقٍ، كان حلمه في مسيرته الاحترافية بالقيادة لمصلحة فيراري، مع فريقه بهذا الشكل.