فاجأ فريق ريد بُل الجميع عندما أعلن عن تجديد عقد ماكس فيرشتابن حتى نهاية موسم 2023 من بطولة العالم للفورمولا 1، مؤكداً التزام الفريق بنجمه المستقبلي مع السعي للعودة إلى المنافسة على الألقاب والفوز بها. هذا القرار يمنح سائقَين أفضليةً لا يستهان بها في سوق الانتقالات.
إذ أن الفورمولا 1، ورغم استقرار القوانين التقنية في 2020 مقارنةً مع ما كان الحال عليه العام الماضي، تشهد تغييراتٍ جذرية في كافة المجالات في 2021، مع تغييراتٍ تقنية واختلاف كلّي في تصميم السيارات وأسلوب عملها، ما من شأنه تغيير موازين القوى حيث لا يمكن التنبؤ بهوية الفريق الذي سيتقن تصميم سيارةٍ مثاليةٍ وفقاً لتلك القوانين.
نتيجةً لذلك، كان هناك تحّفظ لدى معظم السائقين في ما يتعلق بمستقبلهم بعد نهاية 2020، مع الرغبة بالانتظار حتى النصف الثاني من السنة الحالية قبل الالتزام بفريقٍ محدد، أو ربما الحصول على عقدٍ لموسمٍ وحيد في 2021 قبل تقييم هوية الفرق الأقوى في ‘الحقبة الجديدة’.
في الواقع، فإن إعلان فريق ريد بُل تجديد عقد فيرشتابن يعني أن هناك أربعة سائقين فقط لديهم مكان محدد في الفورمولا 1 بعد 2020، ألا وهم شارل لوكلير مع فيراري، إستيبان أوكون مع رينو، سيرجيو بيريز مع رايسنغ بوينت، إضافةً إلى فيرشتابن.
ولكن لمَ قرر فريق ريد بُل اتخاذ هذا القرار؟ ولمَ جاء ذلك في الفترة الشتوية ‘الهادئة’ نسبياً في أوساط الفورمولا 1؟
ليس سراً على أحد أن جائزة أبوظبي الكبرى، الختامية لموسم 2019 من الفورمولا 1، شهدت وجود عدة تقارير وشائعات حول بدء محادثات بين لويس هاميلتون وفريق فيراري، مع تقييم فيراري لإمكانية خطف هاميلتون من مرسيدس وضمّه في 2021، خصوصاً وأن عقد حامل اللقب، وبطل العالم السداسي، ينتهي مع نهاية 2020 أيضاً.
في حال حصول ذلك، وفي حال رحيل هاميلتون إلى فيراري بالفعل، فإن فريق مرسيدس سيكون بحاجةٍ لسائقٍ نجم. حسناً، لدى أكاديمية مرسيدس السائق البريطاني جورج راسل. ورغم أن راسل مذهل بالفعل، وسيكون أحد نجوم البطولة في المستقبل، من المستبعد أن يتمكن، في هذه المرحلة المبكرة من مسيرته، من تعويض غياب أحد ألمع نجوم الفورمولا 1 في الوقت الحالي.
لذلك، كانت كافة الأنظار تتجه نحو فيرشتابن، وإمكانية سعي مرسيدس لبدء محادثاتٍ مع الهولندي الشاب الذي سيكون البديل المثالي لـ هاميلتون في حال رحيل الأخير إلى القلعة الحمراء.
من المؤكد أن ذلك أثار قلق فريق ريد بُل، الذي قرر تقديم أقصى ما لديه وإغراء فيرشتابن بعقدٍ من المؤكد أنه مذهل جداً، وأنه يمنح الهولندي العديد من الحوافز التي ضمنت التزامه بـ ريد بُل حتى نهاية 2023 على الأقل.
حسناً، كما هو الحال في كافة العقود في الفورمولا 1، ستكون هناك ثغرات لفسخ العقد، ربما ستكون مرتبطةً بأداء ريد بُل في الحقبة الجديدة. إلا أن الخطوة التي قام بها فريق ريد بُل حرمت مرسيدس من نقطة تفاوضٍ كبيرةٍ مع هاميلتون.
إذ أن فريق مرسيدس لم يكن بحاجةٍ لـ ‘الاستماتة’ في مفاوضاته مع هاميلتون، والسعي إلى إبقاء نجمهم بشتى الوسائل، نظراً لأنهم كانوا يعلمون أن لديهم إمكانية الحصول على خدمات فيرشتابن.
اقرأ أيضاً: انتقال هاميلتون إلى فيراري ‘سيكون خاطئاً’
وبالتالي، فإن التزام فريق ريد بُل مع فيرشتابن لهذه المدة يمنح هاميلتون أفضليةً لا يستهان بها في مفاوضاته مع مرسيدس. حيث يعلم هاميلتون، الآن، بأن على مرسيدس تلبية شروطه دون قيود ليستمر ضمن صفوفهم، كما أن فريق مرسيدس يدرك، هو الآخر، أنه في حال عدم القدرة على تلبية شروط هاميلتون فإن هناك منافساً إيطالياً لا يمانع منح هاميلتون كل ما يريده.
يمكن القول بأن فريق ريد بُل منح لويس هاميلتون هديةً مثاليةً في عيد ميلاده الـ 35، الذي ترافق مع إعلان تجديد عقد فيرشتابن (بغض النظر إن كانت تلك مصادفة أم لا). والآن، بطل العالم السداسي سيشعر بأريحيةٍ كبيرةٍ وهو يدرك أن بإمكانه اتخاذ القرار الأمثل لـ 2021 دون أية ضغوطات.
من جهةٍ أخرى، وبعيداً عن هاميلتون، هناك سائق آخر أصبح وضعه قوياً في سوق الانتقالات مع الإعلان عن تجديد عقد فيرشتابن، ألا وهو زميل فيرشتابن السابق في ريد بُل، وسائق فريق رينو حالياً، دانيال ريكاردو.
رغم أن موسم 2019 كان الأول لـ ريكاردو مع فريق رينو، فإن الأسترالي تحدث في ذلك الموسم عن إمكانية رحيله عن الصانع الفرنسي مع انتهاء عقده نهاية 2020.
وضع فريق رينو يثير الاستغراب بالفعل. الصانع الفرنسي يستثمر مبالغ طائلة في الفورمولا 1، وهناك عمليات توسيع مستمرة للمصانع سعياً لزيادة الموارد ولضمان العودة للمنافسة في الصدارة، ولكن الفريق عانى من موسمٍ سيئ في 2019. سيئ نسبياً، مقارنةً مع ما كان الحال عليه في العام السابق.
من المرجح أن غياب الإدارة الفاعلة في فريق رينو تساهم في عدم قدرتهم على النجاح واتخاذ القرارات الصحيحة. ربما، خلال موسمه الأول مع الفريق، ريكاردو لاحظ ذلك خلف الكواليس وبدأ يضع سيناريوهاتٍ للرحيل عن الفريق الفرنسي.
اقرأ أيضاً: هاكينن: تواجد ريكاردو مع فريق رينو محبط
فريق رينو بدأ منذ الآن بتقديم العديد من الوعود بخصوص الحقبة الجديدة، مع تأكيد المدير الإداري سيريل أبيتبول بأن فريق رينو هو الأكثر تقدماً في العمل على سيارة 2021 من الآن، وأنه يرى ذلك الموسم فرصته المثالية للعودة إلى الصدارة والمنافسة على الفوز بالسباقات.
لكن ريكاردو، وهو يدرك أنه في ذروة مسيرته الاحترافية وأن بإمكانه التفوق على أي سائق في حال كانت لديه السيارة الملائمة، سيكون بحاجةٍ لأكثر من الوعود.
بالتالي، من المرجح أن يتأخر ريكاردو في حسم مستقبله بعد 2020، ومن المستبعد أن نرى إعلاناً مشابهاً لما حصل مع لوكلير وفيرشتابن.
هذا الأمر سيمنح ريكاردو قوةً كبيرةً، مشابهةً لـ هاميلتون، مع سعي فيراري لخطفه في حال عدم القدرة على ضم هاميلتون، وفي الوقت ذاته ستكون هناك مساعي مع مرسيدس لفتح قنوات للحديث مع ريكاردو في حال قرر نجمهم الرحيل عن صفوفهم إلى فيراري.
أما بالنسبة لـ سيباستيان فيتيل، يمكننا القول بثقة بأن أسهم الألماني تراجعت بعض الشيء خلال موسم 2019 مع عدم قدرته على مجاراة زميله في فيراري لوكلير بانتظام.
لذلك، في حال استمرت عدم قدرة فيتيل على مجاراة وتيرة لوكلير في المراحل المبكرة من 2020 فإنه لن يكون قوياً في سوق الانتقالات، ولن يكون بإمكانه فرض شروطه سواءً كانت لتجديد عقده مع فيراري، أم لإمكانية الانتقال إلى مرسيدس أو أي فريقٍ آخر.