شهدت جائزة أستراليا الكبرى، ثالث جولات موسم 2022 من بطولة العالم للفورمولا 1، خيبة أملٍ أخرى لسائق فريق ريد بُل، بطل العالم ماكس فيرشتابن، بعد انسحابه الثاني لهذا الموسم، فيما تابع منافسه في فيراري شارل لوكلير يفوز بثاني سباقات الموسم ليعزز صدارته في ترتيب البطولة.
نتيجة ما حصل في حلبة ألبرت بارك، ورحيل ماكس فيرشتابن دون تسجيل أية نقطة، ستكون كارثية بالتأكيد. لكن، رغم أهمية معالجة فريق ريد بُل لمشاكل الموثوقية هذه بأسرع وقتٍ ممكن، ستكون هناك مخاوف وأسباب للقلق تتعدى تلك المشاكل.
التغييرات الجذرية في القوانين التقنية منحتنا الغاية المرجوة، بشكلٍ أو بآخر، كتقييمٍ مبدئي بعد مضي الجولات الثلاثة الأولى من الموسم.
منافسات متواصلة، عدم إمكانية التنبؤ بالسباقات (في أول جولتين، على الأقل، حيث حُسمتا في اللفات الأخيرة فقط)، ومن الواضح أن هناك إمكانية لمطاردة السيارات لبعضها البعض بسهولة.
كما منحتنا القوانين التقنية الجديدة تغييراتٍ جذرية في الترتيب التنافسي، مع عودة فيراري للمنافسة في الصدارة، ومنافسة ريد بُل، فيما كان هناك تراجع ملحوظ في أداء مرسيدس مقارنةً مع ما كان الحال عليه منذ بدء الحقبة الهجينة في 2014.
رغم سرعة فريق ريد بُل، الذي يتمتع بخدمات بطل العالم ماكس فيرشتابن، إلا أن الفريق يعاني من مشاكل جذرية في الموثوقية، مع انسحاب ثنائي الفريق من سباق البحرين الافتتاحي، ومن ثم انسحاب فيرشتابن في أستراليا.
لكن، ورغم مخاوف فريق ريد بُل، إلا أن عليهم الانتباه أيضًا إلى مشكلة لا تقل أهمية واجهها الفريق في أستراليا: التفوق الملحوظ في مستوى أداء فيراري الذي لم يترك مجالًا للمنافسة.
حيث يبدو أن سيارة فيراري ‘أف 1- 75’ تتمتع بنقطة قوة مميزة جدًا، وتمنحها أفضلية لا يستهان بها، ألا وهي السرعة في المنعطفات البطيئة ومتوسطة السرعة.
حتى قبل انطلاق الموسم، كانت هناك عديد من التصريحات، من مدير فريق فيراري ماتيا بينوتو، أنه يتوقع وجود تقارب كبير في أداء مختلف السيارات في المنعطفات عالية السرعة والخطوط المستقيمة، وأن من يتقن التعامل مع المنعطفات البطيئة ومتوسطة السرعة هو من سيتمتع بأفضليةٍ تنافسية.
لم يكن انعكاس تصريحات بينوتو واضحًا في حلبة البحرين الدولية، أو في حلبة كورنيش جدة، السريعتين، اللتان لا تتمتعان بتلك المنعطفات البطيئة ومتوسطة السرعة. لكن في حلبة ألبرت بارك، التي استضافت جائزة أستراليا الكبرى، اختلفت الحكاية…
كان من الواضح، منذ تجارب الجمعة في أستراليا، أن سيارة فيراري لديها الأفضلية في المقطع الثالث بمنعطفاته البطيئة وعالية السرعة، بينما عانى فريق ريد بُل في تلك المنطقة من الحلبة رغم تفوقه في الخطوط المستقيمة.
في الحصة التأهيلية، تمكن فريق ريد بُل من العودة إلى دائرة المنافسة وتمتع بأداء قوي في المقطع الثالث، قبل المعاناة بشكلٍ ملحوظ في السباق. ما الذي حصل إذًا؟
في تلك اللفات السريعة في الحصة التأهيلية، لم يواجه فيرشتابن مشكلةً في الضغط على إطاراته، في رفع حرارتها وإجهادها من خلال التسارع خروجًا من كل منعطف في المقطع الثالث، في نهاية المطاف اللفة كانت على وشك نهايتها، ولذلك كان بإمكان فيرشتابن التواجد في دائرة المنافسة على الأقل.
لكن في السباق، اعتماد فيرشتابن لهذا الأسلوب في القيادة أنهك السيارة كثيرًا، أنهك الإطارات كثيرًا، وبدأ بالمعاناة مع ظهور الحبيبات على إطارات سيارته وتوسع الفارق بينه وبين لوكلير لفةً تلو الأخرى بحدود أكثر من ثانية كاملة في كل لفة.
من جهةٍ أخرى، حتى وإن لم يكن فيرشتابن يقود بهذا الأسلوب، فذلك يعني أنه لن يتمتع بسرعة جيدة في المقطع الثالث. سيحافظ على إطاراته لفترةٍ أطول ربما، ولكن ذلك الفارق بينه وبين لوكلير سيواصل اتساعه بسبب عدم تمتع فيرشتابن بوتيرة جيدة.
بالتالي، ببساطة، لم يمتلك فريق ريد بُل أية إجابات لمواجهة ومنافسة فيراري في أستراليا، وهذه مشكلة لا بد لهم من معالجتها إذا أرادوا الإبقاء على حظوظهم في المنافسة على اللقب على قيد الحياة.
حتى في حال لم يواجه فيرشتابن مشكلةً في تسرب الوقود على متن سيارته، كان سيجتاز خط النهاية بفارق أكثر من 20 ثانية عن لوكلير، بالمركز الثاني، وبدون أية فرصة للمنافسة على الصدارة. لكن بالتأكيد، على الأقل لم يكن ليخسر 18 نقطة في هذه المعركة على لقب البطولة.
ما زلنا في المراحل المبكرة من الموسم، ولا أحد يعلم ما سيحصل، ولكن بالتأكيد سيكون على فريق ريد بُل معالجة مشاكل سيارته في المنعطفات البطيئة ومتوسطة السرعة، والتي ربما تكون ناجمة عن ثقل السيارة. إذ أن سيارة ريد بُل أثقل من منافستها الحمراء، وبالتالي ربما هناك بعض المصاعب على صعيد الأداء الميكانيكي للسيارة للتسارع من المنعطفات، وهي التي تكلف ريد بُل.
رغم ابتعاده عن الصدارة في العامين الماضيين، وعدم وجود منافسة جدية على اللقب منذ 2018، وعدم تمتعه بأفضل سيارة على شبكة الانطلاق لسباقات الفورمولا 1 منذ 2008، إلا أن فريق فيراري أسكت كافة منتقديه مع بدء هذه الحقبة الجديدة من قوانين الفورمولا 1 الانسيابية، مع تصميمه لسيارةٍ متكاملة، مثالية، سيارة تشبه ‘الوحش’ كما وصفها شارل لوكلير الذي يعتبر، منذ الآن، مرشحًا لإعادة الألقاب إلى القلعة الحمراء في مدينة مارانيللو الإيطالية.
هل يواصل فريق فيراري تلك الوتيرة العالية طوال الموسم؟ أم يتمكن فريق ريد بُل من معالجة مشاكل الموثوقية والأداء؟ الوقت كفيل بالإجابة عن هذه التساؤلات، بدءًا من جائزة إيميليا رومانيا الكبرى، التي تستضيفها حلبة إيمولا الإيطالية نهاية الأسبوع المقبل.