رغم أننا ما زلنا في اليوم الثاني فقط من انطلاق التجارب الشتوية لموسم 2023 من بطولة العالم للفورمولا 1، إلا أن القوانين تعني أن أمامنا يوم وحيد فقط يفصلنا عن انتهاء هذه التجارب. كما أن الصورة بدأت تتضح بخصوص استعدادات مختلف الفرق…
في هذا اليوم الثاني من التجارب، كان من الواضح ارتياح ريد بُل بشكلٍ كبير. إذ أن سيرجيو بيريز قاد السيارة للمرة الأولى في الحصة الصباحية، وتمكن على الفور من التركيز في برامج تتعلق بأداء السيارة، كما أنه أكمل محاكاة سباقٍ كاملٍ.
بعد ذلك، في حصة بعد الظهر، فإن ماكس فيرشتابن أنهى التجارب بالمركز الثاني بفارق طفيف عن الصدارة، علمًا أنه سجل توقيته الأسرع باستخدام الإطارات متوسطة القساوة، بخلاف غوانيو جو الذي وضع سيارة ألفا روميو بالمركز الأول مع استخدامه لأكثر إطارات بيريللي ليونة.
لربما لن نتحدث كثيرًا عن فريق ريد بُل، إذ أن اليوم الثاني من التجارب لم يكن سوى إشارة للتأكيد على المستوى المميز الذي كان قد أظهره في اليوم الأول، وأنه يتمتع بفارق جيد على بقية منافسيه.
لكن كان هناك فريق أثار جدلًا كبيرًا في اليوم الثاني من التجارب، وبأسلوبٍ غير إيجابي، ألا وهو فريق مرسيدس الذي كان يأمل استغلال الموسم الحالي للعودة والمنافسة في الصدارة، ولكن عوضًا عن ذلك فإن الفريق يجد نفسه ضائعًا مع انتهاء اليوم الثاني.
اليوم الأول من التجارب كان إيجابيًا لـ مرسيدس، السيارة أظهرت موثوقية جيدة، وكان بإمكان الفريق إكمال برامجه دون أية مشاكل تُذكر. لكن، مع الانتقال إلى اليوم الثاني، اختلفت الحكاية.
انتقال مرسيدس للتركيز في أداء السيارة وإيجاد معايير الضبط المثالية أدى إلى صعوبة التعامل مع السيارة مرةً أخرى، حيث كان القسم الخلفي غير مستقر إطلاقًا، مع صعوبة الضغط بشكلٍ كبير.
كما أن الفريق واجه مشكلةً هيدروليكية في الحصة المسائية، أدت إلى رفع الأعلام الحمراء للمرة الوحيدة في اليوم الثاني من التجارب.
مدير الفريق، توتو وولف، كان قد كشف عن معاناتهم في إيجاد التوازن المثالي، فضلًا عن مشكلة ‘خسارة الارتكازية في المحور الأمامي للسيارة’ التي لم يجد لها الفريق أي تفسيرٍ، وكشف بأن الفريق يجد نفسه ‘ضائعًا’ في الوقت الحالي.
من الآن، هناك شائعات بأن فريق مرسيدس يدرس إمكانية الانتقال إلى تصميم مختلف للفتحات الجانبية بعد مضي بضعة جولات على انطلاق الموسم.
في الواقع، مثل هذه الشائعات تُعتبر منطقية في حال استمر ضياع مرسيدس. هي لن تساهم في تسريع عودتهم للمنافسة على الصدارة، إذ سيكون عليهم التأقلم مع سيارة مختلفة بالكامل فعليًا، ولكنها ستحول دون إمضاء مرسيدس لموسمٍ كاملٍ إضافي في البحث عن كيفية تطوير سيارتهم وإنجاح مفهومهم التصميمي.
الأسابيع المقبلة ستكون أساسية وحاسمة لفريق مرسيدس، واختبار حقيقي لقدراته في تحليل معطيات السيارة واستيعاب سبب استمرار بعض المشاكل التي كان يُفترض أن الفريق قد تمكن من إيجاد الحلول لها.
إذ أن فريق مرسيدس، في الوقت الحالي، ورغم أرجحية عدم تواجده في معركة الصدارة، إلا أن هناك فرضيات بأن فريق مرسيدس قد يكون متأخرًا حتى عن أستون مارتن، الفريق الذي يعتبر من أبرز نجوم هذه التجارب الشتوية.
لا بد من إيضاح نقطة أساسية في البداية: رغم سرعة أستون مارتن في الوقت الحالي، ما زلتُ أعتقد أن الفريق ليس بمستوى فيراري، على الأقل في ظروف الحصة التأهيلية والسرعة على مدار لفة واحدة.
فريق فيراري لا يركز بالسرعة إطلاقًا، لم يقم بأية تجارب محاكاة لفات سريعة، وكافة لفاته كانت لاختبار معايير الضبط ولفحص الأنظمة، ولإجراء الاختبارات الانسيابية إضافةً إلى محاكاة السباق. بالتالي، نحن لم نرَ السرعة الحقيقية للحصان الجامح بعد.
لكن بالنسبة لـ أستون مارتن، حتى وإن كان الفريق ليس بمستوى فيراري، إلا أنهم قريبون جدًا، ومع سائق مثل فرناندو ألونسو تمكن في السابق من المنافسة على لقب البطولة بسياراتٍ سيئة، لا يمكن استبعاد أي شيء حول إمكانية تفوقهم على فيراري، رغم أن مهمة التفوق على ريد بُل قد تبقى (في ظروفٍ طبيعية) مستبعدة.
عند رؤية سيارة أستون مارتن في لفاتها السريعة، ومن الكاميرا المثبتة أعلى مقصورة القيادة، من الواضح أن السيارة تتمتع باستقرار مميز، وكان بإمكان فرناندو ألونسو الضغط دون التخوف من إمكانية فقدان السيطرة عليها، وهذا مؤشرٌ جيد في الوقت الحالي، هذا يعني أن السيارة جيدة وتستجيب بشكلٍ جيد، وأن بإمكان السائق الثقة بها.
لذلك، عند مقارنة استعدادات مرسيدس، وما يحصل في الوقت ذاته في أستون مارتن، نجد أن الفريق الأخير بوضع أفضل مما كان هو متوقع، كما أنه يتمكن من التركيز في تجارب الأداء واستخراج أقصى قدرات السيارة وتسجيل تواقيت تنافسية.
كل ذلك مؤشر على أن التقدم الذي حققه الفريق خلال الفترة الشتوية لربما كان الأكبر، خصوصًا وأن سيارة أستون مارتن كانت من الأسوأ في السباقات الأخيرة من العام الماضي.
تبقى هناك عدة تساؤلات حول التأدية الحقيقية لسيارة فيراري، خصوصًا وأن تجارب محاكاة السباق أظهرت تآكلًا للإطارات وتراجع الوتيرة بشكلٍ ملحوظ في اللفات الأخيرة قبل إجراء توقفات الصيانة. علينا ألا ننسى أن تآكل الإطارات كان من أبرز نقاط ضعف فيراري العام الماضي.
في اليوم الأخير من التجارب الشتوية، لا بد لنا من الانتباه إلى هذه النقاط: هل تستمر وتيرة أستون مارتن الجيدة؟ هل يتمكن فريق مرسيدس من الخروج من مأزقه؟ وهل يشكل فريق فيراري تهديدًا حقيقيًا في الصدارة؟
بالتأكيد، في كل تلك التساؤلات، كان غياب ريد بُل متعمدًا. إذ أنني، ومن وجهة نظرٍ شخصية، أثق أن لديهم السيارة الأفضل، وأن تأديتهم لم تترك أي مجالٍ للشك أو التساؤلات حول ما يمكنهم القيام به.
يومٌ واحد من التجارب الشتوية، وتتجه بعدها الأنظار إلى جائزة البحرين الكبرى، حيث ستتضح الصورة الكاملة لمعرفة طبيعة المعارك التي ستكون بانتظارنا حتى نهاية هذا الموسم الحماسي…