فرض تطور تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد على فرق للفورمولا 1 الإسراع بالاعتماد عليها لتطوير سياراتهم للبطولة التي تُعد الميدان الأبرز لاختبار التقنيات الجديدة والأسرع في تبنيها.
الفوائد التي تأتي من تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد على الصعيد الإنتاجي تكاد لا تُحصى، بدءًا من إمكانية بناء النماذج الأولية لقطع السيارات بسرعة ملحوظة إضافة إلى الدقة العالية في التنفيذ والقدرة على تشكيل مجسمات وأشكال هندسية غاية في التعقيد ويصعب الوصول إليها في تقنيات التصنيع التقليدية أو حتى المبرمجة، ناهيك عن التكلفة المنخفضة في تصنيع هذه القطع.
بالطبع، الفورمولا 1 ليست لوحدها في رياضة المحركات من اتجهت إلى الاعتماد على تقنيات “التصنيع بالإضافة”، بل يمكن ملاحظة تزايد استخدام الطابعات ثلاثية الأبعاد لدى فرق بطولة الإندي كار وبطولة العالم للراليات والفورمولا 2 والفورمولا 3 وبطولة العالم للسيارات الكهربائية “فورمولا إي”.
لكن وبحكم كون الفورمولا 1 القائد “غير الرسمي” لكل عمليات التقدم والتطوير التقني في عالم رياضة المحركات، كانت أول من ابتدأ الاعتماد على الطابعات ثلاثية الأبعاد والمُستخدِم الأكثر كثافة لها.
تاريخ الطباعة ثلاثية الأبعاد في الفورمولا 1
كما ذكرنا أعلاه، عُرف عن الفورمولا 1 تاريخيًا أنها لطالما كانت أول من يتبنى التقنيات الجديدة التي تساهم بشكل كبير في صنع سيارات أسرع وأقوى وأخف وزنًا. وجود تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد ليس جديدًا بالكامل في الفورمولا 1، وربما قد يُفاجئ البعض أن أول طابعة ثلاثية الأبعاد اشتراها فريق رينو كانت في عام 1998، لكن بالطبع استخدام تقنيات “التصنيع بالإضافة” بالشكل الذي نعرفه اليوم لم يبدأ بسلوك منحاه التصاعدي حتى بداية العقد الماضي.
جذبت فكرة التصنيع السريع للنماذج الأولية اهتمام التقنيين والمهندسين في فرق الفورمولا 1، وهذا بالضبط ما كانت تبحث عنه هذه الفرق. إذ ولكي تكون ناجحًا في الفورمولا 1 عليكَ دائمًا أن تحاول تطوير سيارتك لكي تكون أسرع من منافسيك، وكل ما عليك أن تسعى إلى تسجيل تواقيت لفات أسرع، وهذه مهمة تشمل ما تشمله من تطوير تقني وفني وهندسي وإداري.
مثلت الحاجة الملحة لتكرار تصنيع قطع السيارات للفرق تحديًا مؤرقًا، وهنا أتى دور الطباعة ثلاثية الأبعاد. أحد أهم الميزات التي تقدمها هذه التقنية هو القدرة على تنفيذ وطباعة النموذج الأولي بسرعة ومن ثم اختباره في النفق الهوائي، وفي حال احتاجت الفرق لتعديله، يقوم الفريق بالتعديل السريع على التصميم ومن ثم اختباره مجددًا. وعندما توافق هذه القطعة المواصفات المطلوبة، تُستخدم الطابعات ثلاثية الأبعاد لتصنيع المنتج النهائي.
كيف تعمل تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد إلى جانب طرق التصنيع الأخرى؟
كما هو معروف أن أهم التقنيات المستخدمة في التصنيع والتي انتشرت كثيرًا في العقود التي شهدت نهضة صناعية كبرى في العالم هو التصنيع بواسطة الحقن أو باستخدام الآلات المبرمجة (CNC). وما أثار الإعجاب أن الطباعة ثلاثية الأبعاد كانت قادرة، وخلال فترة قصيرة، على تحدي الطرق هذه وإثبات نفسها بسرعة قياسية كوسيلة معتمدة في كبريات الشركات حول العالم.
هذا كله بسبب ما توفره الطباعة ثلاثية الأبعاد من مزايا، كانت تمامًا القطعة الأخيرة من الأحجية التي يبحث عنها أي مهندس في العالم. تسمح هذه التقنية بطباعة عددٍ قليلٍ من القطع بسرعة فائقة، على عكس الطرق الأخرى والتي عادة ما تتطلب وقتًا وموارد مالية أكبر. كما أنها قادرة على على تصنيع قطع ذات درجة تعقيد عالية، والتي لا يمكن إنجازها باستخدام الطرق التقليدية.
بالنسبة لرياضة تشهد تغييرات سريعة من سباقٍ إلى آخر، فالأمر بمجمله يتمحور حول التصميم وتصنيع القطع المعقدة. إلى جانب كل ذلك، يأتي هنا دور البرمجيات التي تساهم بشكل كبير فيما يُسمى بتقنيات التحسين الفراغي، هنا يعمد المهندسين، بواسطة هذه البرمجيات، إلى تصميم القطعة بحيث يتم تشكيلها بطريقة تؤدي إلى تقليل الوزن بأكبر قدر ممكن من خلال الاعتماد على المعادلات الرياضية المعقدة في توزيع المادة، ولكم أن تتخيلوا كيف لهذا أن يلعب دورًا كبيرًا في سيارة فائقة السرعة كسيارة الفورمولا 1!
بشكل عام، حققت هذه التقنية حلم أي مهندس تصنيع حول العالم، وهو أنها اقتربت من النسبة السحرية، والتي يعبر عنها بالزمن المستغرق إلى القطعة المُصنعة.
بالرغم من ذلك، لا يمكن للطابعات ثلاثية الأبعاد أن تحل مكان آلات الحقن البلاستيكية بشكل كامل، حيث أن الأخيرة توفر تقنية أكثر نضجًا في الوقت الحالي كما أنها قادرة على استخدام مجالٍ أوسع من أنواع المواد البلاستيكية. لذا يمكن اعتبار تقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد مكملة للتصنيع بآلات الحقن البلاستيكية.
أما بالنسبة للمعادن، يمكن من خلال للطباعة ثلاثية الأبعاد عادة إنتاج قطع قريبة من الشكل النهائي، على أن يتم إنهائها بواسطة الآلات المبرمجة. ميزة الطباعة ثلاثية الأبعاد هنا أنه يمكن من خلالها تنفيذ عمليات قطع ربما تكون محدودة باستخدام الفارزات أو المخارط المبرمجة.
في المحصلة، في وقتنا الراهن لا يمكن الاستغناء عن أي طريقة تصنيع، لكن الاستفادة الأمثل هي تحقيق التكامل بين هذه الطرق، للوصول إلى الإنتاجية والفعالية الأكبر.
ما هي تقنيات الطباعة ثلاثية الأبعاد المستخدمة في الفورمولا 1؟
يمكن القول إن سيارات الفورمولا 1 الحالية تحوي على الكثير من القطع المصنعة عن طريق الطباعة ثلاثية الأبعاد. وكما يمكننا التوقع أن المجال مفتوح أمام مهندسي الفورمولا 1 باستخدام أي تقنية يرونها مناسبة. لا يقوم هؤلاء بالاعتماد على تقنية واحدة فقط، بل يقومون بالجمع بين طريقتين أو ثلاثة طرق من هذه التقنيات.
واحدة من أولى الطرق التي انتشرت في الطابعة ثلاثية الأبعاد هي نمذجة الرواسب المنصهرة (Fused Deposition Modelling)، تسمح هذه الطريقة بالحصول نماذج سريعة. ورغم أن المواد البلاستيكية الحديثة مثل (النايلون) هي المفضلة للاستخدام في هذه الطريقة، إلا أنه لوحظ في الآونة الأخيرة تزايد استخدام البوليمرات عالية الأداء مثل بولي إيثير كيتون، لكونها تُعتبر مقاومة لدرجات الحرارة العالية والتي يمكن أن تصل إلى 2600 درجة مئوية، وهي قريبة جدًا من درجة حرارة عمل المحرك.
رغم ذلك، استخدام هذه الطريقة محدود، لكون القطع المصنعة هذه تفتقر لإمكانية استخدامها في دعم القطع الوظيفية، وبالتالي يمكن الاعتماد عليها في تصنيع قنوات التبريد أو بعض القطع الإلكترونية.
أما طريقة التجسيم (Stereolithography)، وهي طريقة يتم من خلالها بناء النموذج طبقة واحدة في الوقت الواحد عن طريق معالجة الراتنج، الذي يتجمد بمجرد تعرضه للضوء، فيتم استخدامها للحصول على قطع معقدة.
مع ذلك، يقتصر استخدام هذه الطريقة فقط على إنتاج قطع لا تتعرض لقوى وأحمال كبيرة. ولهذا السبب تعمل كبرى مصانع المواد في العالم للعمل على تصنيع مواد قادرة على تحمل القوى المختلفة ويمكن استخدمها لهذه الطريقة.
وكانت بعض مصانع الطباعة ثلاثية الأبعاد قد تعاونت مع فريقي رينو وويليامز لتطوير إيبوكسي جديد مملوء بالسيراميك، يتم طباعته عبر طريقة التجسيم لتطبيقات معينة. واليوم أصبحت هذه الطريقة معتمدة بشكل كبير من قبل الفورمولا 1 لتصنيع قطع خاصة باختبار النفق الهوائي لكل فرق الفورمولا 1.
إلا أن الطريقة الأكثر شيوعًا في الوقت الحالي في الفورمولا 1 هي تقنيات تشكيل المسحوق مثل التلبيد باستخدام الليرز الانتقائي (Selective Laser Sintering) أو تبليد المعادن بالليزر المباشر (Direct Metal Laser Sintering). تتمتع هذه التقنية بأفضلية أكبر من التقنيات الأخرى، إذ يمكن من خلالها صنع قطع متماثلة ومتسقة وتتميز بإمكانية أكبر لتوفير الوقت.