فقدت بطولة العالم للفورمولا 1 أحد ألمع أساطيرها، النمساوي نيكي لاودا، الذي لا يمكن أن نفي حقّه بأن نقول بأنه مجرد ‘بطل عالم ثلاثي’ في الفئة الملكة من عالم رياضة المحركات.
وُلِد نيكي لاودا في العاصمة النمساوية فيينا عام 1949، وشهدت المراحل المبكرة من مسيرته في عالم السباقات مشاكل عديدة مع عائلته، التي كانت معارضةً لدخوله عالم السباقات ما أدى إلى عدم تواصله معهم في نهاية المطاف.
وبعد مشاركته في بعض الفئات الصغيرة من السباقات، استعان لاودا بقرضٍ مصرفي ليشتري مقعداً للمشاركة مع فريق مارش في بطولة الفورمولا 2 في 1971، وتم ترقيته ليقود لمصلحة الفريق ذاته في الفورمولا 1 أيضاً.
إلا أن مستوى أداء فريق مارش كان سيئاً، ولم يسمح لـ لاودا بإظهار قدراته الحقيقية على مدار 1972، وليستعين لاودا بقرض مصرفي آخر للانضمام إلى فريق ‘بي أر أم’ في العام التالي.
وعندما حصل زميله في فريق ‘بي أر أم’ كلاي ريغازوني على فرصة الانضمام إلى فيراري في 1974، أشاد ريغازوني بمستوى أداء نيكي لاودا وأقنع مالك فيراري إنزو فيراري بضمّه إلى الفريق الإيطالي.
عام 1974 كان بمثابة تمهيد لفريق فيراري، الذي كان في مرحلة إعادة هيكلةٍ، ولينهي لاودا الموسم بالمركز الرابع في ترتيب بطولة العالم للسائقين، إضافةً إلى فوزه بسباقين في إسبانيا وهولندا.
وفي العام التالي، فرض لاودا سيطرته المطلقة مع فريق فيراري ليفوز بلقبه العالمي الأول مع فوزه بخمسة سباقاتٍ.
لربما كانت جائزة ألمانيا الكبرى، في حلبة نوربورغرينغ، من أكثر اللحظات العصيبة في تاريخ لاودا والفورمولا 1، عندما تعرض النمساوي لحادثٍ عنيف أدى إلى اندلاع النيران في سيارته، ما أدى إلى احتراق جسده ووجهه بشكلٍ كبير، وكان على وشك أن يفارق الحياة عندما وصل إلى المستشفى.
ولكن لاودا لم يستسلم، إذ أنه غاب عن سباقَين فقط بعد سباق ألمانيا، في ظل المعركة المحتدمة على اللقب بينه وبين منافسه في ماكلارين جايمس هانت.
وبعد ستة أسابيعٍ فقط من ذلك الحادث المريع، عاد لاودا إلى مقصورة قيادة سيارته فيراري في جائزة إيطاليا الكبرى رغم الصعوبات الكبيرة التي واجهها نظراً لإصاباته البالغة وعدم ارتياحه اثناء القيادة، وأنهى تلك الجولة بالمركز الرابع في الوقت الذي تمكن فيه هانت من تقليص الفارق في ترتيب النقاط إلى لاودا.
وفي جائزة اليابان الكبرى الختامية، واجه لاودا صعوبةً كبيرةً أثناء القيادة، نظراً لهطول أمطار غزيرة أدت إلى عدم قدرته على الرؤية، وتفاقمت مشاكله نتيجة استمرار معاناته وعدم ارتياحه مع الحروق في وجهه، واختار لاودا الانسحاب بعد لفتين فقط، مع عودته إلى منطقة الصيانة ليقول بأن ‘الظروف ليست آمنة للاستمرار بالتسابق’، ما ساهم في فوز هانت باللقب مع إنهائه للسباق بالمركز الثالث وبفارق نقطة وحيدة أمام لاودا.
ورغم فوزه بلقبه العالمي الثاني بسهولةٍ مع فيراري في 1977، إلا أن علاقته مع الفريق الإيطالي لم تكن بأفضل حالاتها، واختار لاودا عدم المشاركة في آخر جولتين من ذلك الموسم بعدما تمكن من حسم اللقب، وليغلق فصل مسيرته مع فريق فيراري كسائقٍ في الفورمولا 1، منتقلاً إلى فريق برابهام في العام التالي.
عاما 1978 و1979 لم يكونا الأفضل بالنسبة لـ لاودا في الفورمولا 1، مع عدم وجود سيارة بإمكانها أتاحت له المنافسة على الألقاب، وليرحل لاودا عن البطولة بأكملها مع نهاية 1979.
إلا أن غياب لاودا عن الفورمولا 1 لم يستمر لفترةٍ طويلة، حيث عاد كسائقٍ أساسي مع فريق ماكلارين في 1982 وفاز بسباقَين في ذلك الموسم، ومن ثم كانت عانى في العام التالي مع تراجع وتيرة ماكلارين التنافسية، قبل التحسن الملحوظ في مستوى أداء الفريق في 1984 مع فوز لاودا بلقبه العالمي الثالث والأخير في الفئة الملكة من عالم رياضة المحركات.
ومع تراجع أداء فريق ماكلارين مجدداً، فاز لاودا بسباقٍ وحيد في 1985، وأعلن اعتزاله النهائي كسائقٍ مع نهاية ذلك العام.
في 1993، عاد لاودا إلى ساحات الفورمولا 1 بمنصب مستشار مع فريق فيراري، كما أنه شغل منصب مدير فريق جاغوار في الفورمولا 1 منذ أواسط 2001 وحتى نهاية 2002.
وفي 2012، تم تعيين لاودا بمنصب الرئيس غير التنفيذي لفريق مرسيدس في الفئة الملكة من عالم رياضة المحركات، ولعب لاودا دوراً أساسياً في إقناع البريطاني لويس هاميلتون للانضمام إلى مرسيدس في 2013، وشغل لاودا هذا المنصب لحين مفارقته الحياة بعد تسعة أشهرٍ من الإلتهاب الرئوي الحاد الذي تعرض له والذي أدى إلى غيابه عن العديد من جولات العام الماضي وكافة جولات الموسم الحالي.
من المؤكد أن الفورمولا 1 فقدت أيقونةً وأسطورةً في نيكي لاودا، مع موهبته المميزة، سرعته التي لا يستهان بها، تصريحاته الجريئة ودوره الأساسي في العديد من جوانب البطولة…