الميكانيكي التخيلي، ‘‘سبانرز’’ يعود لكتابة مذكراته السرية الخيالية الخاصة بمجلة “أوتوسبورت” بعد غيابه بسبب صعوبات لوجيسيتية في كوريا الجنوبية، والغرف الضيقة في اليابان، والعديد من وجبات الكاري في الهند!
مرحباً!
لقد انتهى شهر أكتوبر بسرعة، أليس كذلك؟ تبدو الفترة قصيرة جداً وكأنها امس، عندما كنت أقوم بإرسال أفكاري وكتاباتي الشهرية لفريق “أوتوسبورت”، وها نحن قد عدنا مرة أخرى.
في نهاية الشهر الماضي، كان العالم مقسوماً بين الذهول من إنجازات الالماني سيباستيان فيتيل وانتصاره بفارق كبير على منافسيه في سباق سنغافورة، أو الملل من سيطرته المطلقة على مجريات البطولة، حتى أن قسماً اتجه نحو اتهامه بالغش.
الآن، وبعد أربعة أسابيع، وبعد مرور سباقي جائزتي اليابان وكوريا الجنوبية، كان فيتيل قد قدم للجميع العديد من السباقات المثيرة ليحصد جميع الانتصارات، ويبدو رضا المشاهدين عن الحماس الذي تشهده البطولة واضحاً.
لن أقوم بإخفاء الأمر عنكم، مغادرة حلبة موكبو الكورية كان قد ترك أثراً عميقاً في نفسي، إذ يبدو أننا لن نعود إلى تلك الحلبة…
…هل اعتقدتم أنني كنت حزيناً؟ لا، بالتأكيد لا. يا للجنون!
منذ أن قام السيد إيكليستون بتوقيع اتفاقية لإقامة جائزة كبرى في كوريا الجنوبية، قد وجدت نفسي في تلك الزاوية الصغيرة من العالم لعدة مرات حتى الآن. بصراحة، لا أعلم بالضبط ما هي الأمور التي استخلصتها من رحلاتي إلى هذا المكان لإضافتها إلى موسوعتي الثقافية العالمية بعد العديد من التجارب حول العالم.
يجب عليّ العودة إلى موسم 2010 لتذكر إحدى أكثر الحوادث المضحكة في موكبو – في مساء يوم الخميس، على ما أذكر، وفي منطقة الصيانة في الحلبة، كانت لدينا سيارتان جاهزتان في الحظائر، لم ينقصهما سوى بعض الأجزاء التي كانت مهمة نوعاً ما.
كنا قد واجهنا عدة أحداث مؤسفة في سباق اليابان، قبل ذهابنا إلى كوريا.
أول تلك الحوادث كان يتعلق بجانح أمامي كنا قد استخدمناه من قبل، لكن ظهرت عليه بعض الدلالات التي تشير إلى أنه سيتحطم في السباق الذي مضى. هل تعتقدون بأن هذا أمر سيئ؟ الخطأ التالي الذي اقتربنا من القيام به كان سيكون مكلفاً أكثر لو حدث.
اقترح أحد المهندسين اللامعين في الفريق، بأن أفضل طريقة لضمان عدم حدوث الأخطاء، هي بإرسال الجوانح الأمامية التي كانت ستنكسر إلى المصنع، ليقوم الفريق بإصلاحها بشكل صحيح، كي يتمكن أعضاء الفريق الذين سيصلون إلى أرض الحلبة، قادمين من المصنع، صباح الخميس باصطحابها معهم. لا مشكلة لحد الآن.
ولكن في الواقع، اكتشفنا أن هناك مشكلة. بسبب القوانين الفريدة من نوعها في كوريا، حيث يمنع دخول أي تجهيزات إلى البلد. بطولة الفورمولا واحد كانت قد أبرمت اتفاقية خاصة مع الجمارك تنص على أن كل شيء موجود ضمن شحنات الفريق الرسمية القادمة من اليابان كان سيسمح له بالدخول إلى البلد ومباشرة إلى موكبو. بالنسبة لأجنحتنا الأمامية، لم تكن جزءاً من تلك الشحنات في ذلك الوقت.
يمكنني فقط تخيل المكالمات الهاتفية الجنونية، عبر المترجمين، عندما كان الفريق، في انكلترا، يحاول بشكل دائم لأخذ الضوء الأخضر ليقوم بإرسال جميع الأجنحة إلى فريق السباق. علماً أن الجمارك الكورية لم تتفهم، أو بالأحرى لم تبد اهتماماً، بمدى أهمية تلك القطع. كنا بالفعل في ورطة حقيقية.
قام أعضاء الفريق المتواجدون في موكبو، وأنا من ضمنهم، بإقناع جو باور، مندوب الاتحاد الدولي للسيارات بأننا نستطيع إجراء عملية فحص وتدقيق السيارات الاعتيادية قبل كل جولة بدون الأجنحة، وبأن القطع المفقودة ستكون جاهزة قبل بداية التجارب الحرة صباح الجمعة ليتم فحصها. لكننا لم نكن متأكدين أصلاً من وصول تلك القطع في الوقت المحدد.
لأختصر عليكم قصة طويلة، ومليئة بالأحداث، كان يجب على مدير الأمور اللوجيستية في المصنع القيام برهان بسيط. قمنا بإرسال عامل بسيط من المصنع، لا يثير الشبهات، إلى هونغ كونغ مع شحنة من ثمانية صناديق تحتوي على الأجنحة الأمامية الجديدة والمعدلة. يتوجب على هذا العامل، فور هبوطه في مطار هونغ كونغ، استئجار طائرة خاصة، بكلفة كبيرة، لتقوم بنقله مع ‘‘أمتعته’’ عبر المياه، وإلى كوريا الجنوبية، على أمل أن نقوم بتلك الخطوة بتخطي الجمارك بعد هبوط الطيارة بمطار صغير قريب من الحلبة.
وبشكل مذهل، نجحت تلك الخطة وتمكنا من تجهيز السيارتين لإدخالهما في حصة التجارب الحرة الأولى. سأعترف لكم بأن جزءاً صغيراً مني سيبقى يفكر عن ماهية الخطة البديلة في حال لم تنجح تلك الطريقة.
هذه الحادثة الوحيدة ستبقى محفورة في ذاكرتي لفترة طويلة عبر تاريخنا مع السباق الكوري. إنه أمر مخيب للآمال، لكنه معبر بنفس الوقت.
في كل عام نتوجه فيه إلى اليابان، فور مغادرتنا للطائرة، يلزمنا حوالي يوم أو أكثر للتأقلم مع بيئتنا الجديدة. لا أتحدث عن فرق التوقيت، هذا أمر صعب بما فيه الكفاية، ولكنني أتكلم بشكل أكبر عن اختلاف العادات الثقافية. يتولد لدينا شعور دائم بأننا هبطنا على سطح كوكب آخر!
لا تفهموني بشكل خاطئ، أنا أحب زيارة حلبة سوزوكا، إنها تجربة فريدة من نوعها على جميع المقاييس. المشجعين لديهم هوس برياضة الفورمولا واحد، ودائماً يقومون بارتداء اسوأ البسة مقلدة للفرق.
ففي هذا العام، عندما كنا نقوم بتجميع أغراض الفريق، رأيت شابين يتجولان في منطقة الحظائر ويرتدون معاطف قديمة خاصة بفريق ‘‘رينو اف 1’’، تلك المعاطف الزرقاء والصفراء التي تعود إلى حقبة ألونسو الذهبية مع الفريق. لقد انتابني الشك حول مصداقية ومدى رسمية تلك الألبسة ومع ابتعاد الشابين رأيت بأن اسم الراعي الرسمي للفريق، ‘‘تيليفونيكا’’ كان يفتقد لحرفاً، حيث كان مكتوب بشكل ‘‘تيلفونيكا’’. هذا ليس بالخطأ الفادح، لكن وبأعجوبة كان الشابان يرتديان القبعات التي تتماشى مع هذا الخطأ المطبعي.
أنا دائماً أهتم بجميع الأمور ‘‘الهندسية’’، إن صح التعبير. ولهذا السبب فإن بعض الميزات في فندق الفريق في اليابان تصيبني بالصدمة والذهول.
إن الغرفة في الفندق صغيرة في كل تفاصيلها. الطريقة الوحيدة لخلق مساحة من الغرفة كافية لكائن بشري وحقيبته، هي بنقل كرسي الغرفة الوحيد إلى الممر. لا يوجد شيء ذكي في ذلك. ولكن الميزة الهندسية تصدمك عندما تقوم بفتح باب الحمام لتتفاجأ بحمام صغير بشكل مواز للغرفة.
يتكون هذا الحمام، الذي يمكنني أن ألمس جميع الجدران فيه بيدي وفي جميع الاتجاهات دون أن أتحرك، من قطعة بلاستيكية وحيدة متصلة مطلية باللون البرتقالي.
جميع التجهيزات في هذا الحمام يمكن الوصول إليها دون التحرك، وهو الأمر الذي يؤدي إلى صعوبة القيام بأي شيء.
كرسي الحمام بذات نفسه هو قطعة غير مألوفة من قبل. حيث يحتوي على أزرار أكثر مما يوجد في سيارتي، ويتهيأ لك بأنه سيحتاج إلى حاسب محمول يتصل به لكي يبدأ بالعمل. لكنه يتمتع بنظام تدفئة جميل.
من ناحية العمل، لم نواجه أية صعوبات في اليابان. السيارات بقيت في حالة مماثلة للوضعية التي أنهت بها سباق كوريا قبل أسبوع، لذلك قمنا بمراجعة سريعة للمعطيات كما قمنا بإجراء تنظيف للحظائر قبل بنائها في سوزوكا.
بعد الانتهاء من الاختبارات الحرة الأولى والثانية، مع عدم وجود تحديثات جديدة على متن السيارات، وتوفر عدد محدود من القطع الاحتياطية للسباق، لم يشعر العديد من زملائي في مختلف الفرق بالارتياح.
ليالي يوم الجمعة تعني القيام بمجموعة كبيرة من الأعمال قبل أن يبدأ حظر التجول في منطقة الصيانة، عندها يتوجب علينا التوقف ومغادرة الحلبة. وبالتالي، لم يكن ميكانيكيو فريق ماكلارين المسؤولون عن سيارة سيرجيو بيريز سعداء بعد أن قام السائق بالاصطدام بالحائط في وقت مبكر من الحصة. أشعر بأن بعضهم لا يشعر بالحب تجاه السائق المكسيكي الشاب.
بصراحة، لم يكن بيريز الوحيد الذي قام بتحطيم سيارته، لذلك كان هناك حركة كبيرة في الحظائر تلك الليلة. وبغض النظر عن أننا كنا نختبر السيارات بسرعة بطيئة جداً حالت دون ارتكاب سائقينا لحادث كبير، إلا أننا كنا سنوضع بموقف لا نحسد عليه لو كنا مكان فريق ماكلارين في سوزوكا.
تبين لنا أنه كان ينقصنا بعض القطع الاحتياطية المهمة من أجل سباق جائزة اليابان الكبرى، أحد أعضاء الفريق قرر التقليل من صرف المال وطلب عدم توفير قطع بديلة للقطع التي أرسلت إلى المصنع بعد استخدامها في سباق كوريا. كنا سنوضع في موقف حرج لو قام سائقينا بالضغط على سياراتهم إلى أقصى الحدود. بصراحة، لا يمكن تصديق أنواع المشاكل والحوادث التي تكاد تقع ولا يعلم بها أحد في حظيرتنا.
على أية حال، أقوم بكتابة مذكراتي الآن من غرفتي الفاخرة في فندق في الهند، حيث يوجد فرق شاسع بينها وبين علبة الأحذية في اليابان. تناولت للتو وجبة الكاري الرابعة لهذا الأسبوع، ولم يمض على تواجدي في الهند سوى ثلاثة أيام فقط!
جميع الأمور تجري على ما يرام في هذه الحلبة حتى الآن، علماً أن صديقكم سبانرز كان قد أصيب بصدمة صغيرة نهار الثلاثاء عندما كنت أقوم بفرد قطع السيارة: عنكبوت بحجم قبضة يدي هرب من تحت الغطاء!
لن أكذب عليكم، لقد صرخت كفتاة وهربت خوفاً على حياتي، مما أعطى زملائي في الفريق سبباً للضحك، لكن على الأقل، لن أكون آخر شخص يتعرض لهذا الموقف.
حسناً إذاً، حان وقت النوم بالنسبة الي. بعض الشباب سيحاولون الركض على الحلبة غداً، لقد مشيتها بشكل كامل السنة الماضية مع المهندسين، ولكن هذا النشاط كان أشبه بتمرين لتسلق الجبال! المسار كثير الصعود والنزول والارتفاع يختلف بشكل ملحوظ طوال الوقت. سأعود إليكم لاحقاً، بعد أن آخذ قيلولة قصيرة، وربما وجبة كاري أخرى.
إلى اللقاء، سبانرز.