لم يمضِ سوى يومٍ واحد على احتفال الهولندي ماكس فيرشتابن بلقبه الثاني في بطولة العالم للفورمولا 1، في موسم استثنائي فرض فيه فريق ريد بُل سيطرة مطلقة على منافسات البطولة، قبل أن تفسد الأخبار القادمة من الاتحاد الدولي للسيارات “فيا”، حيال مخالفة الفريق البطل للقوانين المالية المتعلقة بقيود الميزانية في موسم 2021، الاحتفالات في حلبة سوزوكا.
تسببت الإشاعات في البداية بعاصفة من الردود في كواليس الفورمولا 1 وبشعور فرق البطولة بخيبة الأمل خاصة بعد تأخر الاتحاد الدولي للسيارات في إصدار نتائج تحقيقه، لكون عملية التدقيق المالي في سجلات كل الفرق تُعتبر في غاية التعقيد.
ولم ينتظر فريق مرسيدس الإعلان الرسمي عن نتائج التحقيق المالي حتى يطالب الفيا باتخاذ إجراءات صارمة بحق من يخالف قيود الميزانية، لما من تأثير بالغ على قواعد المنافسة في البطولة.
بعد فترة الانتظار هذه، أصدر أخيرًا الاتحاد الدولي للسيارات تقريره الذي خَلَص إلى التزام ثمانية فرق بقوانين قيود الميزانية وارتكاب ثلاثة فريق لمخالفات “إجرائية” بينما ارتكب فريق واحد (ريد بُل) “تجاوزًا طفيفًا” لقيود الميزانية.
لا تزال الأسباب الموجبة لارتكاب مثل هذا التجاوز من قبل ريد بُل مجهولة، كما لم يُتخذ حتى موعد كتابة هذا المقال أي إجراءات بخصوص ذلك من قبل المسؤولين عن مراقبة قيود الميزانية في الاتحاد الدولي للسيارات.
ظهر فريق مرسيدس في طليعة “فريق الضاغطين” على الاتحاد الدولي للسيارات، ويقود حملة لإجبار الفيا على اتخاذ عقوبات قاسية بحق فريق ريد بُل، حتى من قبل إعلان نتائج التحقيق الرسمية.
وشدد مدير الفريق توتو وولف خلال جائزة سنغافورة الكبرى على أن هذه المخالفة وإن كانت “تجاوزًا طفيفًا”- وولف كان قد توقع نتيجة التحقيق حتى قبل صدوره- لكن لها تأثير كبير على التنافس في البطولة.
وقال وولف: “دُعيت بالتجاوز الطفيف، لكنني أعتقد أن هذه الكلمة غير صحيحة. إذا أنفقتَ 5 مليون إضافية، ولا تزال في مجال التجاوز الطفيف. فإن لذلك تأثير كبير على البطولة”.
“رأينا أن هنالك فريقين تنافسا بشكل متقارب للغاية، لكن فريق منهما قام بالإنفاق أكثر من الفريق الآخر. نعلم ما انفقناه بالضبط، 3.5 مليون على القطع في السنة للسيارة. بالتالي يمكنكم رؤية الفارق الذي يمكن لمبلغ 500000 دولار أن يحدثه”.
هنا، جاء التصريح الأبرز والأكثر إثارة للجدل من قبل وولف، حيث ألمح إلى أنه في حال عدم تعرض فريق ريد بُل لعقوبة مناسبة، فأن فريق مرسيدس يخطط لتجاوز الحدود المقبولة للميزانية في المستقبل.
وقال: “في حال أنفق فريق ريد بُل مليونَين إضافيين، وأمكنهم دفع غرامة بخمسة أضعاف أي 10 مليون، فذلك لن يكون عادلًا، حيث يمكنك الإفلات من العقوبة من خلال دفع غرامة”.
وأكمل: “أعلنت مرسيدس عن ذلك بوضوح، في حل فشل تطبيق العقوبة، فأننا تخطط للإنفاق الزائد في المستقبل ودفع الغرامة المناسبة لتعويض الفارق في الأداء والعودة إلى المراكز الأولى”.
هذه ليست المرة الأولى التي تجد فيها للفورمولا 1 نفسها في هذا الموقف. فقد سبق أن اختبرت البطولة معضلة مشابهة، نوعًا ما، في موسم 2010. حينها اجتمعت فرق، ومن ثم جزءًا من مجموعة دُعيت حينها “رابطة فرق الفورمولا 1” أو “FOTA”، وتوصلت إلى اتفاق سُمي بـ “اتفاق تقييد الموارد” أو “PRA”.
أدّى هذا الاتفاق إلى الحد من عدد الموظفين في الفريق، كما تتضمن بنود أخرى للتخفيض من التكاليف وخلق بيئة أكثر تنافسية في البطولة. ولكن لكون ذلك كان اتفاقًا وليس قانونًا، فلم يصمد لأكثر من عام. حيث فشلت البطولة في فرض هذا الاتفاق على الفرق، وكان فريقا ريد بُل وفيراري أول المتهمين بخرقه.
وكما يجري الآن، كان فريق مرسيدس في رأس حربة الهجوم على هذا الاتفاق بعد خرقه. إذ أكد مدير الفريق آنذاك روس براون على أنه ليس أمام مرسيدس من خيار سوى زيادة الانفاق لتصبح السيارة أكثر تنافسية. في النهاية، تم التخلي نهائيًا عن هذا الاتفاق وانسحبت فرق البطولة تباعًا منه.
دفع ذلك مرسيدس للإنفاق بشكل كبير خلال العقد التالي، لتصبح من أكثر الفرق المنفقة في البطولة بهامش كبير خلال الحقبة الهجينة، ووصلت ذروة الإنفاق إلى 333 مليون جينيه إسترليني في 2019.
في 2021، قامت الفورمولا 1 بتعديل القوانين الرياضة ووضع قانون قيود الميزانية، الأمر الذي أدى إلى نهاية سيطرة مرسيدس على الحقبة الهجينة في البطولة.
واستمرت معاناة مرسيدس في موسم 2022، حيث فشلت في تصميم السيارة المثالية للمنافسة على المراكز المتقدمة في ظل القوانين الجديدة، وبالطبع قيود الميزانية كانت من أهم الأسباب خلف ذلك.
وولف، نفسه، ألمح إلى ذلك في أحد تصريحاته، حيث قال: “لم ننتج قطع خفيفة الوزن للسيارة وذلك لتخفيض الوزن الإجمالي، لأنه ببساطة لم يكن لدينا المال، لذا نحتاج لفعل ذلك الموسم المقبل”.
وأكمل: “لم نتمكن من المصادقة على الهيكل خفيف الوزن، لأنه يتجاوز قيود الميزانية بحدود 2 مليون دولار. لذا يمكنكم رؤية أنه لكل شيء تنفقه تأثير على التأدية”.
يدفعنا كل ذلك إلى مقارنة سلوك مرسيدس في عام 2011 مع 2022، وأنه قد يكون لدى مرسيدس نيّة لإبطال هذا القانون كما حصل مع اتفاق “تقييد الموارد”.
وقد يكون سقف مرسيدس عاليًا جدًا بالنسبة للعقوبة التي تراها عادلة بحق ريد بُل، وبالتالي يمكن أن نرى رفضًا كبيرًا من الصانع الألماني في حال كانت أقل من تجريد ماكس فيرشتابن من لقبه الأول في 2021 ومنحه للبريطاني لويس هاميلتون. بالتالي قد يدفع ذلك مرسيدس إلى الضغط بقوة لإلغاء هذا القانون.
يضع هذا الأمر ضغطًا كبيرًا وتحديًا مهمًا على عاتق الاتحاد الدولي للسيارات والفورمولا 1 وحتى فريق ريد بُل، هم الآن أمام مهمة الحفاظ على هذا القانون، لما له من أهمية كبيرة في مستقبل البطولة.