رغم الإنجازات الكبيرة التي حققها لويس هاميلتون في مسيرته الاحترافية في بطولة العالم للفورمولا 1، لطالما كان هناك العديد من المشككين بقدراته، وأن إنجازاته ناجمة عن سيارته فقط. لكن، ما أظهرته الحصة التأهيلية في جائزة توسكانا الكبرى، تاسع جولات موسم 2020 يثبت خطأ وجهات النظر تلك في ظل تألق هاميلتون في حلبة موجيللو الساحرة.
يمكنا أن نتفق بأن انتشار وباء فيروس كورونا كان سيئاً، وهو يعتبر من إحدى الكوارث التي ضربت العالم بالفعل، مع تأثيره في مختلف جوانب الحياة. حتى بالنسبة لبطولة الفورمولا 1 التي نعشقها، أدى ذلك الوباء إلى تأجيل انطلاق الموسم، إلى تأجيل العديد من السباقات، وإلغاء العديد من السباقات الأخرى في حلباتٍ يعشقها الجميع.
View this post on Instagram
ولكن، إن أردنا النظر إلى النصف الممتلئ من الكأس، لا يمكننا أن نقول سوى أن الأمر الجيد هو إضافة العديد من السباقات في روزنامة 2020 في حلباتٍ مذهلة بالفعل، أولها حلبة موجيللو الإيطالية، في توسكانا.
اقرأ أيضاً: بوتاس يعتقد أن لا مجال لارتكاب الأخطاء في حلبة موجيللو
هذه الحلبة لم تستضف سباقات الفورمولا 1 في تاريخها، كما أن آخر مرةٍ تواجدت فيها الفرق [لإجراء اختباراتٍ فقط] كانت في 2012. وهي حلبة مميزة بالفعل، صعبة، تقنية، يمكننا القول أنها مختلفة عن الحلبات الحديثة التي تدخل روزنامة البطولة، خصوصاً مع منعطفاتها عالية السرعة المتتالية منذ بداية اللفة وحتى نهايتها.
هذا الأمر أدى إلى أنه كان على السائقين ‘تعلّم’ هذه الحلبة في تجارب الجمعة، كان عليهم القيادة لفةً تلو الأخرى، الضغط إلى أقصى الحدود؛ أو بالأحرى، محاولة معرفة هذه الحدود التي يمكن الوصول إليها دون ارتكاب الأخطاء، في حلبةٍ لا تسامح ارتكاب الأخطاء إطلاقاً نظراً للمسارات الترابية والحصوية.
هاميلتون كان أبطأ من زميله في الفريق فالتيري بوتاس في كافة حصص التجارب، الأولى والثانية والثالثة، ولم يتمكن من التغلب عليه. لم يحاول هاميلتون اختلاق الأعذار بعد انتهاء تجارب الجمعة، بل قالها بوضوح: أنا غير متأقلم بعد مع متطلبات القيادة في هذه الحلبة، لا أعلم ما هي أقصى الحدود. أنا بحاجةٍ لدراسة كافة المعطيات، لمعرفة نقاط ضعفي لأعود بقوة في الحصة التأهيلية.
اقرأ أيضاً: هاميلتون يعشق موجيللو، لكنه لم يتأقلم مع متطلباتها بعد
رأينا تقلص الفارق بين هاميلتون وبوتاس في حصة التجارب الثالثة صباح السبت، عندما كان هاميلتون على بعد 0.083 ث فقط عن صدارة زميله الفنلندي، بعدما كان الفرق 0.2 ث في تجارب الجمعة. هنا، ظهر من الواضح أن هاميلتون يسير في الاتجاه الصحيح، وجد ‘حدوداً إضافية’ يمكنه الذهاب إليها في حلبة موجيللو المذهلة، التي تتطلب ثقةً مرتفعةً للسائق أثناء القيادة لضمان استخلاص أقصى قدرات سيارته في كل منعطف، وحيث يمكن لعدم الضغط عند إحدى المنعطفات أن يؤثر بشكلٍ كبير في سرعة السيارة في المنعطفات التالية.
بعد ذلك، مع التوجه إلى الحصة التأهيلية، أثبت هاميلتون لمَ هو بطل عالم سداسي. لطالما سمعنا العديد من الأقاويل، والنظريات، بأن هاميلتون هو بطل العالم وحقق كافة تلك الإنجازات فقط بسبب تفوق وحدات طاقة مرسيدس [وهي مزاعم تلاشت في 2018 و2019 عندما كانت وحدة طاقة فيراري أفضل]، ومن ثم بسبب تفوق السيارة، وأن أي سائقٍ سيكون بإمكانه تحقيق هذه الإنجازات عندما يقود سيارة هاميلتون.
هنا ظهرت خامة ومعدن هاميلتون الحقيقي، عندما أظهر أنه سائق يبذل مجهوداً كبيراً، يدخل في أدق التفاصيل سعياً للتفوق على الجميع، سعياً للتفوق على زميله في الفريق كما رأينا في موجيللو.
اقرأ أيضاً: بيريللي: الفارق بين الإطارات اللينة ومتوسطة القساوة أكبر من المتوقع في موجيللو
بالتأكيد، السيارة تلعب دوراً أساسياً وحاسماً. في نهاية المطاف، بدون تلك السيارة لم يكن هاميلتون ليفوز بتلك الألقاب وليحقق تلك الإنجازات التي حققها. لكن، إضافةً إلى أفضلية السيارة، فإن التفاصيل التي يركز بها هاميلتون والتي يحاول استغلالها والاستفادة منها سعياً لاستخلاص أقصى قدرات سيارته هي ما يصنع الفارق في نهاية المطاف.
هذا ما رأيناه في حلبة موجيللو، عندما بذل هاميلتون مجهوداً كبيراً من حصة التجارب الأولى، ثم الثانية، وبعد ذلك بعض التفاصيل البسيطة بعد التجارب الثالثة، ليضمن التوجه إلى الحصة التأهيلية على أهبة الاستعداد.
النتيجة؟ كانت واضحةً في نهاية المطاف. رأينا كيف تمكن هاميلتون من تسجيل توقيت قياسي جديد في حلبة موجيللو، وكسر سيطرة زميله بوتاس الذي سجل أسرع التواقيت في كافة حصص التجارب، وليضمن هاميلتون بذلك، مرةً أخرى، الانطلاق من المركز الأول، وليثبت سبب تمتعه بالرقم القياسي لأكبر عدد مرات الانطلاق من المركز الأول في تاريخ هذه الفئة الملكة من عالم رياضة المحركات.
تقرير الحصة التأهيلية: هاميلتون يتألق في حلبة موجيللو المذهلة لينطلق أولاً
حسناً، لم يكن بإمكاننا رؤية ما كان بإمكان بوتاس تسجيله في لفته السريعة الأخيرة بسبب الأعلام الصفراء الناجمة عن خروج إستيبان أوكون عن حدود المسار في المقطع الأول. إلا أن هاميلتون لم يتمكن من تحسين توقيته هو الآخر. حيث كانت اللفات السريعة الأولى في القسم الثالث من الحصة التأهيلية هي الكافية، واللازمة، لتحديد ترتيب شبكة الانطلاق، ومنح هاميلتون الأفضلية.
بالتأكيد، سيبقى هناك العديد من المشككين بقدرات هاميلتون وإمكانياته، وأن ما يقوم به هو ناجم عن سيارته فقط. لكن، بالنسبة لي، أعتقد أن علينا الإعجاب وتقدير موهبة سائقٍ يحطم الأرقام القياسية بأسلوبٍ مذهل، بالأسلوب ذاته الذي حطم به الأسطورة مايكل شوماخر كافة الأرقام القياسية، وبالأسلوب ذاته الذي ربما كان سيحققه أيرتون سينا لو لم تنتهِ مسيرته بشكلٍ مؤلم قبل أوانها…