بداية موسم 2020 من بطولة العالم للفورمولا 1 كانت جيدةً نسبياً لـ فالتيري بوتاس، ولكن بعد الحصة التأهيلية لجائزة المجر الكبرى، ثالث جولات الموسم، يمكننا القول بأن زميله في مرسيدس لويس هاميلتون بدأ حربه الذهنية عليه ليضمن وليحسم اللقب لمصلحته.
التفوق على لويس هاميلتون يعتبر صعباً جداً، ولكن المحافظة على هذا التفوق يعتبر شبه مستحيلٍ. هذه جملةٌ ترددت كثيراً في الآونة الأخيرة، ربما رأينا ذلك للمرة الأولى أثناء مزاملة هاميلتون لـ نيكو روزبرغ ضمن صفوف مرسيدس مع بداية الحقبة الهجينة في الفورمولا 1.
لم يكن الحال كذلك باستمرار في مسيرة هاميلتون. ليس علينا أن ننظر سوى إلى موسم 2011، عندما كان بإمكان زميل هاميلتون في فريق ماكلارين آنذاك جنسون باتون التفوق عليه، وكان هاميلتون في حالةٍ ذهنيةٍ سيئة.
لنعود إلى موسم 2020 إذاً. مع انطلاق الموسم في جائزة النمسا الكبرى، في حلبة ريد بُل رينغ، كان التفوق لمصلحة فالتيري بوتاس في الحصة التأهيلية لينطلق أولاً ويفوز بالسباق، وعانى هاميلتون بعض الشيء إثر العقوبة لينطلق من المركز الخامس، ويجتاز خط النهاية بالمركز الرابع بعد سباقٍ فوضوي أيضاً.
اقرأ أيضاً: مرسيدس: تأثر محركات فيراري بالقيود الجديدة أمر مضحك
حسناً، التفوق لـ بوتاس. من المؤكد أن ذلك منحه ثقةً كبيرةً أنه في وضعٍ جيد، وبدأ بعدها بالحديث عن إمكانية وجود ‘معركة جيدة على اللقب’ ضد هاميلتون في 2020، وأنه استفاد من خبرته العام الماضي وتمكن من تحسين تأديته ليستمر بمنافسة هاميلتون.
تصريحات كانت مليئة بالثقة، استمرت نوعاً ما بعد السباق الثاني الذي أُقيم، أيضاً، في حلبة ريد بُل رينغ. في ذلك السباق الثاني، ورغم انطلاق هاميلتون من المركز الأول وسيطرته المطلقة على مجريات السباق، إلا أن بوتاس، وبعد معاناته في الأمطار في الحصة التأهيلية، تمتع بوتيرةٍ مذهلة في السباق ليجتاز خط النهاية خلف هاميلتون بالمركز الثاني.
هذا الأمر سمح لـ بوتاس بالتشبث بصدارة ترتيب نقاط بطولة العالم للسائقين، وكان بوتاس يثق أنه، وفي ظل ظروفٍ اعتيادية في الحصة التأهيلية، ربما كان بإمكانه تكرار إنجاز السباق الافتتاحي والانطلاق أولاً ومجاراة هاميلتون والتمتع بمستوى أداء قوي، ولكن من المؤكد أن الأفضلية بدأت، نوعاً ما، بالتوجه لمصلحة هاميلتون.
لكن من المؤكد أن هاميلتون فرض سيطرته المطلقة والتفوق، وبدأ حربه الذهنية ليضمن تأثر بوتاس وعدم قدرته على منافسة بطل العالم السداسي على ألقاب موسم 2020، بعد مجريات الحصة التأهيلية لسباق جائزة المجر الكبرى.
في حلبة هنغارورينغ، التي تألق فيها هاميلتون في السابق وفاز بسبعة سباقاتٍ من أصل 13 مشاركة في هذه الجولة، توجه هاميلتون وبوتاس إلى الحلبة مع بداية القسم الثالث من الحصة التأهيلية لإكمال اللفات السريعة الأولى، حيث سجل هاميلتون توقيتاً مذهلاً، مع 1:13.6 د، وكان من الصعب تغلب أي سائقٍ على هذا التوقيت.
اقرأ أيضاً: فيتيل: سيارة مرسيدس من كونٍ، وليس كوكبٍ، آخر
بعد ذلك، عاد الجميع إلى منطقة الصيانة، شاهد بوتاس توقيت هاميلتون، كما أن فريق مرسيدس أخبره، بدون شك، عن النقاط التي تأخر فيها عن هاميلتون في تلك اللفة السريعة، وكان على الفنلندي الآن القيام بمحاولةٍ أخيرة للتفوق على هذا التوقيت، كان يعلم بوتاس الهدف الذي عليه القيام به.
وهذا ما قام به بوتاس بالفعل! تمكن من تحسين توقيته، وتسجيل توقيت يضمن له التفوق على لفة هاميلتون السريعة الأولى، ولكن ثقة بوتاس لم تدم سوى لبضعة ثواني قبل أن يُعلمه الفريق بأن هاميلتون تمكن من تحسين توقيته بشكلٍ إضافي، وحصل على مركز الانطلاق الأول بفارق 0.1 ث أمام بوتاس.
من المؤكد أن هذه ‘الهزيمة’ لـ بوتاس ستكون مؤلمة أكثر مما حصل معه في الحصة التأهيلية لسباق ريد بُل رينغ الثاني، رغم أنه انطلق رابعاً في ذلك السباق، فيما ينطلق ثانياً في المجر.
في النمسا، واجه بوتاس مشاكل حالت دون تحقيقه لنتيجةٍ أفضل في الحصة التأهيلية. ولكن، هنا، في المجر، فإن بوتاس يدرك أنه قدم أقصى ما لديه، واستخلص أقصى قدرات سيارته، في محاولةٍ للتفوق على هاميلتون، ولكنه لم ينجح بذلك، كان بإمكان هاميلتون تسجيل توقيت لا يُصدّق ليضمن الانطلاق أولاً.
اقرأ أيضاً: هاميلتون متفاجئ بتأخر ريد بُل في المجر
هذه ضربة موجعة لـ بوتاس على الصعيد الذهني، ومن المؤكد أنه سيفكر كثيراً بما حصل معه في تلك الحصة التأهيلية، إذ أن بوتاس اعتقد أنه كان مثالياً في كافة المقاييس، ورغم ذلك لم تكن تأديته كافيةً للتفوق على هاميلتون، وهذا ما انعكس على تصريحات بوتاس، الذي قال بعد نهاية الحصة التأهيلية بأنه اعتقد بأن لفته السريعة الأخيرة كانت كافيةً للحصول على مركز الانطلاق الأول، ما يشير إلى تفاجئه بأداء هاميلتون وقدرته على تحقيق نتيجة أفضل رغم لفة بوتاس التي ظنّ بأنها مثالية.
هنا تكمن قوة هاميلتون. يمكنه، حتى عندما يتمتع منافسوه بمستوى أداء مذهل، الانتقال إلى مستوى آخر، وتسجيل تواقيت رائعة تضمن استمرار تمتعه باليد العُليا.
اقرأ أيضاً: هاميلتون احتاجة للفةٍ مثالية للتغلب على بوتاس في المجر
ما الذي سيحصل الآن؟
ساعاتٌ تفصلنا عن انطلاق سباق جائزة المجر الكبرى. في ظروفٍ اعتيادية، وبدون أية مشاكل، من المتوقع أن يفرض هاميلتون سيطرته ويمضي قدماً ليفوز بسباقه الثاني في موسم 2020، والذي سيعني تصدره لترتيب بطولة العالم للسائقين بغض النظر عن نتيجة بوتاس.
بعد ذلك، سيجد بوتاس صعوبةً كبيرةً في العودة إلى دائرة المنافسة وتشكيل تهديد حقيقي على حظوظ هاميلتون للفوز بلقبه العالمي السابع.
يبدو من الغريب قول ذلك حتى الآن. عندما فاز الأسطورة مايكل شوماخر بلقبه العالمي السابع مع فيراري في 2004، بدا تكرار ذلك الإنجاز مستحيلاً بالنسبة للجميع.
لكن يبدو بأننا قد نشهد، مع نهاية موسم 2020، تألق لويس هاميلتون وفوزه بلقبه العالمي السابع معادلاً بذلك البارون الأحمر.