بعد طول انتظارٍ، عادت بطولة العالم للفورمولا 1 وشهدنا إقامة أول سباقات موسم 2020 مع جائزة النمسا الكبرى. سباقٌ قدم منافساتٍ مذهلة لعشاق الفورمولا 1 المتعطشين لمتابعة السباقات مجدداً. سباقٌ يعتبر الفصل الأول في حكاية موسمٍ قد يكون استثنائياً، وأسطورياً، بكافة المقاييس.
عند النظر إلى نتائج جائزة النمسا الكبرى، نرى تصدر مرسيدس لكافة حصص التجارب، والانطلاق من المركز الأول والفوز بالسباق مع فالتيري بوتاس. وفي حين أن هناك أفضلية لا يستهان بها، بالفعل، لـ مرسيدس في ظروف الحصة التأهيلية، إلا أن الحكاية مختلفة بعض الشيء في السباق.
تقرير السباق: بوتاس يفوز بسباقٍ جنوني ودراماتيكي في النمسا!
الجميع رأى مشاكل الموثوقية التي واجهها فريق مرسيدس في سباق جائزة النمسا الكبرى، حيث كانت هناك مطالب لـ فالتيري بوتاس ولويس هاميلتون بعدم الصعود على الحفف الجانبية نظراً لأنها كانت ستؤدي إلى “مشاكل حرجة” تقضي الانسحاب من السباق بسبب مشكلة في المستشعرات المرتبطة بعلبة التروس.
هذا الأمر يأتي مع استمرار مخاوف الموثوقية والمشاكل التي واجهها فريق مرسيدس منذ التجارب الشتوية، وهي لم تقتصر على فريق المصنع فقط، مع مواجهة مشاكل جورج راسل لمشاكل في ضغط الوقود أدت إلى انسحابه، فيما انسحب لانس سترول بسبب مشكلة بمستشعراتٍ مرتبطة بوحدة طاقة مرسيدس.
لا توجد أية شكوك أن بإمكان فريق مرسيدس إيجاد الحلول لمشاكل الموثوقية هذه. خلال موسمٍ اعتيادي، مثل هذه المشاكل لن تسبب قلقاً إطلاقاً، وسيتم تفاديها ببساطة.
ولكن هنا تكمن مشكلة مرسيدس: موسم 2020 استثنائي وغير اعتيادي بكافة المقاييس. ومع عدم تأكيد أية سباقات، باستثناء السباقات الثمانية الأولى حتى الآن، علماً أنه من المؤكد أنه سيتم إضافة سباقات أخرى دون معرفة عددها، إلا أن خسارة أية نقاطٍ قد تكون مكلفةً جداً.
اقرأ أيضاً:
ألبون: شعرت أن بإمكاني الفوز بسباق النمسا
هاميلتون يعتقد أن الاحتكاك مع ألبون حادثة تسابق
وبالتالي، ورغم عدم انسحاب ثنائي مرسيدس من سباق النمسا، إلا أن مشاكل الموثوقية ستكون مقلقةً جداً، إذ يدرك الفريق أنه يواجه خطراً كبيراً لخسارة نقاطٍ لمصلحة منافسيه، خصوصاً في المراحل المبكرة من الموسم، إذ أن خسارة النقاط قد تعني تعرضهم لضغطٍ كبير.
لا بد لنا من الانتظار لمعرفة ما سيحصل الأسبوع المقبل، حيث يُفترض أن تكون درجات الحرارة في حلبة ريد بُل رينغ أعلى من تلك التي شهدناها نهاية الأسبوع الماضي، ما يجعل التحديات التي تواجهها الفرق مثيرةً للاهتمام بالتأكيد.
أبرز مثالٍ للخسارة المكلفة للنقاط تتمثل بـ ماكس فيرشتابن، الفائز في العامَين الماضيين في حلبة ريد بُل رينغ، والذي واجه سباقاً كارثياً.
واقعياً، كان بإمكان فيرشتابن تهديد حظوظ مرسيدس للفوز بالسباق. انطلق مع الإطارات متوسطة القساوة، مع استخدام منافسيه للإطارات اللينة، وتمتع بوتيرةٍ قوية في المرحلة المبكرة من السباق واحتفظ بالمركز الثاني خلف بوتاس، وكان يتجه نحو إنجاح خطته الاستراتيجية.
لكن، ببساطة، أدت مشكلة في سيارته إلى تراجع تأديتها، ليعود إلى منطقة الصيانة وينسحب من السباق. كان هذا الانسحاب موجعاً بالفعل بالنسبة لـ فيرشتابن، نظراً لعدم معرفة عدد السباقات الإجمالي في 2020 كما ذكرنا مسبقاً، ولكن من جهةٍ أخرى نظراً لأنه يأتي في حلبةٍ تعتبر من أقوى الحلبات لـ ريد بُل تقليدياً.
فيرشتابن يدرك أنه كان بإمكانه الفوز بالسباق. يدرك أنه كان بإمكانه الاستيقاظ اليوم وهو في صدارة ترتيب بطولة العالم للسائقين. لكن، عوضاً عن ذلك، لديه 0 نقطة في رصيده.
كان لا بد على فيرشتابن الفوز، أو على الأقل تحقيق نتيجة قوية جداً في النمسا، وفي هذه السباقات الأولى من الموسم، نظراً لأننا نتجه نحو حلباتٍ بعد ذلك قد لا تصب في مصلحة ريد بُل، وبالتالي كان عليهم استغلال الحلبات القوية بالنسبة لهم.
بالتالي، يمكننا اعتبار الأفضلية أصبحت، وبقوة، لمصلحة مرسيدس، شريطة عدم مواجهتهم لمزيدٍ من مشاكل الموثوقية.
أما بالنسبة لفريق فيراري، فإنه يواجه العديد من المشاكل الضخمة. الأداء المنخفض لسيارة فيراري ‘أس أف 1000’ لا يتعلق بتراجع أداء وحدة الطاقة فقط، وإنما مرتبط بكافة الجوانب: هناك ضعف في المجال الانسيابي، مجال الارتكازية، مجال التماسك واستقرار السيارة وأيضاً التوازن.
لاحظنا جميعاً كيف كان سيباستيان فيتيل يصارع سيارته مع انزلاق القسم الأمامي دخولاً للمنعطفات، والذي كان يتحول إلى انزلاقٍ للقسم الخلفي مع الخروج من هذه المنعطفات. وبالتالي لا يمكن التنبؤ باستجابة السيارة، ولا بد لـ فيراري من بذل مجهودٍ كبير لتحسين الوضع وقلب موازين القوى.
اقرأ أيضاً: فيتيل سعيد بانزلاق سيارته لمرةٍ وحيدة في النمسا
لهذا السبب، لا بد من الإشادة بالمجهود المذهل الذي بذله شارل لوكلير ليجتاز خط النهاية وليصنف بالمركز الثاني مع نهاية السباق، مع سيارةٍ كانت، في الحصة التأهيلية، هي خامس أسرع سيارةٍ فقط خلف مرسيدس، ريد بُل، ماكلارين، ورايسنغ بوينت.
اقرأ أيضاً: لوكلير يشيد بـ فيراري بعد سباقٍ مثالي في النمسا
في موسمٍ يعتمد بشكلٍ كبير على استغلال كافة الفرص المتاحة في ظروفٍ استثنائية، من يعلم ما سيكون بإمكان لوكلير القيام به؟ قد نشهد بعض المفاجآت بالفعل.
وبالحديث عن المفاجآت، لا بد لنا من التطرق إلى فرق متوسط الترتيب، ماكلارين ورايسنغ بوينت على وجه الخصوص، والنتيجة المذهلة لـ لاندو نوريس مع حصوله على المركز الثالث وصعوده إلى منصة التتويج للمرة الأولى في مسيرته، بالترافق مع التحسن الملحوظ في أداء رايسنغ بوينت.
حسناً، قد لا يكون بإمكان ماكلارين ورايسنغ بوينت المنافسة على الفوز بالسباقات، ضمن ظروفٍ طبيعية بكافة الأحوال، ولكن على الأقل، فإن هذه الوتيرة العالية لهذين الفريقين قد تعني إمكانية تدخلهما وتأثيرهما في معركة اللقب بين فرق الصدارة. من خلال خطف نقاطٍ والتأثير في نتيجة السباقات وخلط الأوراق وعدم حصر المراكز الأولى بين فرق الصدارة فقط.
بالتالي، انتظرنا طويلاً بالفعل، سبعة أشهرٍ في الواقع، قبل أن نتابع سباقات الفورمولا 1 مجدداً. ولكن حلبة ريد بُل رينغ قدمت لنا سباقاً مثالياً مع انطلاق موسم 2020، يعد بأننا سنتذكر هذا الموسم ليس على أنه كان “موسماً قصيراً، تأثر بـ فيروس كورونا”، وإنما على أنه موسم رائع، شيّق، مثير، مليء بالسباقات المذهلة!